إذا صح ما قيل عن قيام العاملين بأحد أحياء مدينة طنطا برش القمامة بمبيدات الذباب لتقليل نسبة الأمراض الناجمة عنها مع الابقاء عليها في مكانها نصبح إزاء مشهد عبثي يكشف عن غياب رؤية شاملة واستراتيجية حكومية مركزية موحدة في التعامل مع المخلفات وإعادة تدويرها. وانفصال الأطراف عن المركز في هذا الملف الخطير. ذلك أن مجلس الوزراء وافق في مطلع الشهر الماضي علي إنشاء جهاز تنظيم وإدارة المخلفات ارتقاء بخدمة إدارتها الآمنة بيئياً للمخلفات وأحسب أنه ليس من بين أهدافه الاكتفاء برشها ثم تركها كما هي مصدراً للتلوث البيئي في الشوارع. إدارة المخلفات ثقافة غائبة تكلف العرب 5 مليارات دولار سنوياً رغم أنها لم تعد ترفاً بل ضرورة حياة لا تهدف فقط للحفاظ علي البيئة بل تسعي لتحقيق تنمية مستدامة وقيمة مضافة تحول تلك المخلفات من نقمة إلي نعمة ومن مشكلة مزمنة إلي فرص استثمارية واعدة.. فاذا علمنا أن حجم القمامة اليومية في مصر وهي بالمناسبة الأغني عالمياً بالمواد العضوية يبلغ 47 ألف طن يومياً. باجمالي 70 مليون طن سنوياً. ناهيك عن 22 مليار طن تراكمات قديمة مازالت تغرق شوارعنا. تكلف مصر نحو 24 مليار جنيه سنوياً جراء التدهور البيئي.. ندرك أننا إزاء بيزنس ضخم إذا أحسنت إدارته يمكنه أن يوفر مليارات الجنيهات لخزينة الدولة. ناهيك عن وقايتنا من شر الأمراض الكثيرة الناجمة عن التلوث كالسرطان والفشل الكلوي وغيرهما. فالقاهرة وحدها تضخ قرابة 13 ألف طن قمامة يومياً يمكن للطن الواحد توفير 8 فرص عمل فكم توفر ملايين الأطنان منها إذا أعيد تدويرها علي مستوي الجمهورية..؟! سويسرا نموذج متقدم في معالجة المخلفات بطرق علمية وتجاربها جديرة بالاعجاب والمحاكاة. إذ لا تكتفي باستثمار مخلفاتها بل تستورد مخلفات من دول مجاورة لتعيد تدويرها عبر 29 مصنعاً تقوم بحرق النفايات لتنتج طاقة كهربية قدرت بنحو 1823 ميجاوات/ ساعة في عام 2006 كما تتنافس ألمانيا والسويد علي شراء المخلفات لانتاج الكهرباء والماء. إعادة تدوير المخلفات تنطوي علي فوائد عدة. أهمها تقليص التلوث البيئي. وزيادة معدلات الانتاج. وخفض الضغط علي الموارد الطبيعية.. فاذا علمنا مثلا أن كميات الغذاء المهدرة في مصر تبلغ 50% من الخضراوات والفاكهة و40% من الأسماك و30% من الألبان و25% من الخبز سنوياً بمتوسط مليون ونصف المليون طن قمح. وأن النزول بهذا الفاقد لمعدل يتراوح بين 8 و10% يوفر للخزانة العامة 10 مليارات جنيه يتم هدرها سنوياً.. بينما نعاني فجوة غذائية تقدر بنحو 60% مما يعني حاجتنا الماسة للاستثمار في تكنولوجيا التخزين والتبريد وتداول المحاصيل. قدر حاجتنا لتدوير فضلات الطعام وتحويلها إلي سماد بيولوجي آمن بديلا للاستيراد باهظ التكلفة. لا مفر من نشر الوعي البيئي لعامة الناس بطرق فرز القمامة من المنبع قبل التخلص منها وتحفيز القطاع الخاص وتوفير ما يلزم من أراض وموافقات عاجلة لاقامة مشروعات تدوير المخلفات لزيادة الكفاءة والقدرة الانتاجية وتوفير عائد اقتصادي يتم إهداره. وتقليل معدل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.. وهذا لن يتحقق بغير مشاركة المواطن ومنظمات المجتمع مع الحكومة في تقييم تجارب تدوير القمامة لإزاحة هذا الإرث الثقيل من المشكلات البيئية والاقتصادية والوصول إلي حلم "مصر خالية من القمامة.. مصر خالية من التلوث".