انتبهوا أيها السادة أن الزبالة وهي المخلفات البلدية الصلبة قد تكون بمثابة المناجم الحضرية لدي بعض دول العالم التي تقدر محتواها البيئي وتملك تكنولوجيا استغلال النافع منها اقتصاديا. المناجم الحضرية وتحسين جودة الحياة د. حمدي هاشم انتبهوا أيها السادة أن الزبالة وهي المخلفات البلدية الصلبة قد تكون بمثابة المناجم الحضرية لدي بعض دول العالم التي تقدر محتواها البيئي وتملك تكنولوجيا استغلال النافع منها اقتصاديا سواء بإعادة الاستعمال أو التدوير أو الاسترداد لإنتاج الأسمدة العضوية والأيدروجين والطاقة ومنتجات البلاستيك والكرتون والورق والصفيح وخردة المعادن وغير ذلك. أما مناجم المخلفات الإلكترونية فتستخرج منها المعادن الثقيلة وعلي رأسها الذهب والفضة, بينما تتسبب تلك التراكمات الحضرية بكثير من مدن العالم في تفاقم المشكلات البيئية والصحية, علاوة علي استهلاكها من الاموال العامة لمجرد التخلص منها, والأثر السلبي لذلك علي معدلات التنمية المحلية, وفي الآونة الأخيرة, تنفق الدول الغنية أكثر من120 مليار دولار سنويا للتخلص من مخلفاتها الصلبة, ورغم ذلك يسبح منها نحو100 مليون طن بمياه المحيط بين هاواي وكاليفورنيا, نتيجة أن الأراضي الأمريكية لم يعد فيها متسع للتخلص من تلك الكميات الضخمة والمتزايدة من المخلفات الصلبة. وقامت علي ذلك شركات جمع ومعالجة القمامة في مناطق مثل الصين والهند والبرازيل, يستثمر فيها سنويا نحو5 مليارات دولار أمريكي. وجدير بالذكر أن القمامة تتسبب في4% من حجم غازات الانحباس الحراري علي مستوي العالم. هذا وتؤكد دراسة اقتصادية أن طن القمامة المصرية قد يدر عائدا يتجاوز الألف دولار أمريكي, علاوة علي المساهمة الفعلية في حل أزمة البطالة في مصر. يوكد الوعي المصري ذلك الفرق العضوي والأثر البيئي بين ورق اللحمة وأكياس الفاكهة بعد الانتشار الواسع للبلاستيك واستخداماته في الوقت الحاضر, بل أصبحنا مكرهين علي تناول بقايا المواد السامة العالقة بمنتجات البلاستيك ذات النوعية الرديئة. وكان المستوقد بالمناطق الشعبية يحرق الزبالة ذات المحتوي الحراري( الخالي من مادة الديوكسين المسببة للسرطان) لاستغلال الطاقة المولدة في تدميس الفول وكذلك تسخين مياه الحمامات العامة ومنها الملاطيلي و قلاوون وباب البحر وكان يصنع من الرماد المتبقي طوبا للبناء. ومع تغير الأحوال المصرية اختفت استخدامات توليد الطاقة من القمامة, وظهرت الخنازير( في مرحلة تالية) لتتغذي علي بقايا مخلفات زبالة الحضر المجلوبة من مناطق تولدها والتي يتم فرزها للاستفادة الاقتصادية منها لأقصي درجة. وقد توطنت أكثر من1500 ورشة بمنشية ناصر, تدعمها مدرسة غير رسمية لإعادة تدوير البلاستيك وفرز عبوات الشامبو الأكثر مبيعا في مصر. وتعد هذه القرية من أكبر مواقع التداول اليدوي لثروة القمامة بمدن العالم. وبعد الإبادة الوقائية للخنازير وتوقيف جامعي القمامة وغياب المنظومة المتكاملة للتخلص الآمن من المخلفات الصلبة والاستفادة الاقتصادية منها تفاقمت مشكلة القمامة وعلي رأسها القاهرة ومن بعدها بقية الحواضر المصرية. لاتزال سلوكيات الأفراد والمنشآت والمحليات ونقص الوعي البيئي والصحي لدي الأفراد والأنظمة الإدارية وعدم تقديرهم لأهمية المشكلة وأساليب التعامل معها, وراء استمرارية هذه الأزمة البيئية. ومنها عشوائية التخلص من مخلفات الهدم والبناء بالشوارع والأماكن البعيدة عن المراقبة, ونبش القمامة للاحتفاظ بالنافع منها اقتصاديا وترك ما دون ذلك في الشوارع للقطط والكلاب الضالة, بل وإحجام أغلب الزبالين عن العمل في الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية بسبب قلة العائد المالي منها وتدني القيمة الاقتصادية لمخلفاتها الصلبة, علاوة علي تخلص بعض المحال العامة من مخلفاتها بإلقائها في غير الأماكن المخصصة وذلك في الطرق والشوارع المحيطة بها. ناهيك عن أسلوب الردم العشوائي خارج الكتلة السكنية في بعض أجهزة المدن, بالأماكن الفضاء المتاحة والتي قد يزحف عليها العمران إذا ماتحرك في نموه باتجاه تلك المواقع العشوائية. وكذلك تلوث الهواء, مثلما يشعر به سكان مدينة نصر بالمناطق الجنوبية الشرقية في أثناء اشتعال الحرائق بمقلب القمامة القريب منها, وذلك حسب الظروف المناخية السائدة وأوقات الحرق, وكذلك الحال بمناطق المطرية والزيتون وأجزاء من مصر الجديدة المتأثرة بحرائق مقلب القمامة في شمالي مدينة شبرا الخيمة. وكانت قد تقدمت اليابان لمحافظة الإسكندرية( في عام1982) بدراسة جدوي اقتصادية لتصنيع الزبالة وتحويلها إلي سماد عضوي بتكلفة استثمارية بلغت30 مليون جنيه للمصنع الواحد, بطاقة إنتاجية تقدر بنحو ألف طن يوميا, ويتولد الآن عن الحواضر المصرية ما يزيد علي20 ألف طن من المخلفات البلدية الصلبة في اليوم(2010), أي المطلوب20 مصنعا يقع منها12 مصنعا بإقليم القاهرة بمفرده, مع الأخذ في الاعتبار الفرق المالي والتكنولوجي. ويتطلب البرنامج الحكومي لإدارة المخلفات البلدية الصلبة في مصر توفير مايزيد قليلا علي المليارين من الجنيهات المصرية, يستخدم أكثر من نصفها لرفع كفاءة عمليات الجمع والنقل وإنشاء المدافن الصحية وما تبقي لرفع التراكمات وإنشاء المحطات الوسيطة ومراكز التدوير. والمطلوب تأسيس شركات وطنية تعمل في مجال جمع ومعالجة المخلفات الصلبة وتوفر مزيدا من فرص العمل للشباب, وكذلك إنشاء مراكز تدريب للمخلفات الصلبة وإعادة التدوير والتصنيع, مع رفع كفاءة المحليات للمساهمة بمسئوليتها في إدارة تلك المناجم الحضرية. وفي ذلك حل لخفض نسب التلوث البيئي وتحسين جودة الحياة والارتفاع بمستوي دخل الفرد وضبط إيقاع النمو العمراني.