عاش سنوات عمره علي قضبان السكك الحديدية لا يسمع إلا أبواق القطارات وأجراس المزلقانات يحمل مسئولية آلاف الأرواح رجالاً وسيدات وأطفالاً كل يوم منذ خروجه من محطة مصر وحتي وصوله محطة المنصورة واجه الكثير من المفاجآت وحوادث الانتحار وعبور المزلقانات يخرج كل يوم بعد أن يودع أولاده الأربعة فربما لا يعود إليهم مرة أخري 17 عاماً في قيادة كافة أنواع القطارات من البضائع في الواحات وحتي قطارات الركاب بالوجه البحري. أنه عم محمود كمال عباس سائق القطار رقم .949 "المساء" تفتح ملف الذكريات مع عم محمود من داخل كابينة القيادة علي رصيف رقم 5 بمحطة مصر. * كيف بدأت قصتك مع هيئة السكة الحديد حتي أصبحت قائد قطار؟. ** تقدمت في مسابقة للعمل بالسكة الحديد عام 1996 واجتزت الاختبارات بمؤهلي دبلوم الصنايع وأجتزت اختبارات الكشف الطبي وبعد قبولي خضعت لدورات تدريبية لمدة 6 شهور بمعهد وردان بالجيزة وتم تعييني في وظيفة مساعد قائد قطار رابع. * ما هو شعورك في أول رحلة داخل كابينة القيادة. ** كنت أشعر بالخوف والقلق وأنا جالس علي مقعد مساعد السائق بجوار رأفت محمد عبدالعال سائق قطار القاهرةالمنصورة وكان محظوراً علينا الجلوس علي مقعد سائق القطار وإذا جلس مساعد السائق علي مقعد القيادة يتم فصله من العمل تبعاً لقوانين هيئة السكة الحديد. * الاشارات والسيمافورات عناصر أمان بالسكة الحديد كيف تتعامل معها. ** هناك "5" أنواع من الاشارات وكل اشارة لها سرعة معينة الأحمر الثابت مثلاً يعبر عن السرعة العادية والأخضر المتقطع عن السرعة الأقل والأصفر المتقطع يعني ضرورة تقليل السرعة للنصف مرة أخري والضوء الأحمر يعني التوقف. * ما هي اجراءات الكشف الطبي علي سائقي القطارات. ** نعمل بعقود تجدد كل عامين ونخضع كل 6 شهور لكشف طبي ثلاثي بمستشفي السكة الحديد وفي حالة الاشتباه في الاصابة بمرض السكر يتم استبعاده من القيادة ونتحول إلي الاشراف الفني والعمل كمشرف علي السائقين وفي عام 1999 تم استبعاد 62 سائقاً بسبب مرض السكر وبسبب شكاوي السائقين أصبح الكشف علي السائقين يتم من قبل مجلس طبي في التأمين الصحي بالجلاء والآن يتم تطبيق الاختبارات النفسية والكشف النفسي حيث يكون الثبات النفسي والاتزان الانفعالي أحد شروط التقرير الطبي الذي يقدم عن السائقين. * ما هي مراحل التدرج الوظيفي حتي الوصول لوظيفة قائد قطار. ** كنت ضمن أول دفعة من قائدي القطارات الحاصلين علي مؤهل متوسط وتسلمت العمل في شهر مايو 1996 كمساعد قطار رابع ثم مساعد قائد قطار ثالث ثم عملت بقطارات البضائع في الواحات البحرية ثم تمت ترقيتي إلي قائد قطار. * ما هو مرتب سائق القطار؟ ** أتقاضي 2180 جنيهاً وعندما كنت مساعد سائق كنت أتقاضي 600 جنيه وحتي الآن يتم حساب الكيلو في قطار البضائع ب 15 قرشاً والكيلو في قطار الركاب ديزل أو أكسبريس يتم حسابه ب 10 قروش!! * ما شعورك في تحمل مسئولية القطار والركاب بعد الخروج من المحطة. ** أولاً أتأكد مع المساعد من صلاحية الجرار وتوافر زيت الماكينات وزيت الفلاتر وأتابع مع الميكانيكي اصلاح أي عيوب فنية أو أعطال وسلامة الدورة الكهربائية والدوائر الكهربائية بالقطار وبعد الخروج من المحطة أتحول كسائق وإلي ورشة متكاملة لأنني أقوم بدور الميكانيكي والكهربائي وفي حالة تعطل القطار في الطريق أتحمل أنا ومساعد القطار مسئولية اصلاح العطل حتي الوصول لأقرب محطة والاستغاثة بميكانيكي السكة الحديد. * ما دور الهيئة في تعليم السائقين وتدريبهم علي الجديد في عالم الجرارات والقطارات. ** أي سائق يذهب كل عامين لتلقي دورات تدريبية بمعهد وردان علي أيدي كبار المهندسين والفنيين والسائقين القدامي حتي نتعرف علي العديد في صناعة الجرارات والقطارات والجديد في قيادة القطارات والميكانيكي أيضاً يحصل علي دورات تدريبية لأن الميكانيكي في السكة الحديد يجب أن يكون له خبرات خاصة حتي يصبح مؤهلاً لإصلاح جرارات عملاقة وقطارات مختلفة الأنواع. * ما هي أهم الحوادث التي لا تستطيع نسيانها حتي الآن. ** بالنسبة لي كان عام 1998 هو عام الحوادث فقد اقتحمت فجأة فتاة في العقد الثالث من العمر القضبان الحديدية في المسافة ما بين مزلقان جنزور ومحطة قويسنا ونظرت في عيوني وهي تستعد للانتحار ولم استطيع التوقف أو حتي التهدئة وأطلقت صفارات انذار وأضواء ولكنها أخفت عيونها بيديها وأعطتني ظهرها ودهستها وملامحها لا تفارق خيالي حيث كانت جميلة وأصابني الحادث بحالة نفسية سيئة وجلست في منزلي بشبرا الخيمة لمدة أسبوع أبكي من منظر الفتاة وعدم قدرتي علي انقاذ حياتها. ومن الحوادث التي لا انساها في عام 1998 عبور رجل مسن يركب حماراً شريط السكةالحديد بالقرب من محطة بركة السبع ورغم تشغيل السرنية واضاءة الأنوار لم يستطع الهرب لأن الحمار رفض التحرك من علي القضبان وقمت بدهسهما وفي كل الأحوال لا أستطيع شد الفرامل أو تهدئة السرعة والمسافة لا تسمح بذلك ولابد أن يعرف الجميع أن من يعبر "شريط الدم" فجأة هو الذي يكتب شهادة وفاته وليس القطار. * السائقون يتعرضون لحوادث كثيرة فما هي ذكرياتك حول هذه الحوادث؟! ** حضرت واقعة من هذا النوع حينما كنت مساعد قائد قطار وكنت أجلس بجوار السائق ابراهيم الصياد رحمه الله وكان متجهاً للمنصورة وفوجئنا بمن يقذف البازلت علي كابينة القيادة حيث اخترقت أحد الحجارات الرجاج وأصابت رأس ابراهيم الصياد وظل في المستشفي أسبوعاً ثم توفي بسبب قذف الطوب علي الكابينة وبعد الحادث بدأ مسئولو الهيئة بوضع صاج بدلاً من الزجاج رغم ذلك مخالفات لتعليمات وقوانين السكة الحديد ويحجب الرؤية ورغم وجود قضبان حديدية علي الزجاج الأمامي لكابينة إلا أن الحجارة تخترق القضبان وتصيب السائق اما في عينه أو رأسها ومعظمها اصابات قاتلة وأكثر المحطات التي يحدث فيها قذف الطوب للسائقين هي المحلة الكبري. * لماذا تودع أسرتك كل يوم قبل قيادة القطار. ** أبلغ من العمر 45 عاماً وعندي أربعة أولاد "محمد" بالفرقة الثالثة في كلية دار العلوم وعفاف في الصف الثالث الثانوي الصناعي وملك في الصف الأول الثانوي ومريم 3 سنوات كل يوم أقبلهم وأودعهم لأنني أشعر بأن حوادث العمل قد يكون فيها نهايتي وقدري ورغم ذلك أعشق صوت القطارات وأشعر أن كابينة القيادة والجرارات بيتي الذي أقضي فيه وقتاً أكثر من البيت الذي يضم زوجتي وأولادي والمكتوب مفيش منه مهرب.