من الفيوم إلى الواسطى.. ثلاثون عاما من الخوف.. هى عمر رحلة عم مجدى سائق قطار 147 من الفيوم إلى الواسطى.. بل هى عدد سنوات معركته مع قضبان حديدية و ناس رءوسها أنشف من الحديد.. فى كل يوم يرى الموت بعينيه, و بدلا من اصطحاب لقيمات يقمن صلبه , بات الكفن رفيقه داخل القطار!! إلى داخل كابينة القيادة, اصطحبنا مجدى محمد حسن لنرصد معاناة و أخطار.. نراها نحن الموت بعينه, و يراها هو فصل من النهار, فيقول: «منذ عام 1982 و أنا اعمل بهذه المهنة» و قبل أن يكمل الرجل كلامه يصرخ و هو يحاول تفادى الاصطدام بأحد المارة, و الذى كان يعبر القضبان و كأنه فى نزهة « هكذا هو الحال, معظم المزلقانات بدائية, مجرد سلسلة حديدية يضعها العامل يدويا قبل قدوم القطار, لكن المارة لا يهتمون, و كذا قائدى السيارات, يقتحمون طريقنا و إذا حدث مكروه لأحدهم نذهب نحن للجحيم.. آخر الحوادث كانت قبل عشرين يوما.. طفلان يلهوان على شريط السكة الحديد, حاول زميلى قائد القطار تفاديهما لكن سهم الله نفذ, فتجمع الأهالى وحاولوا قتل السائق, و وزعوا ضرباتهم على الجميع من دريسة و عمال الهندسة». فى طريقنا مضينا ببطء, الى أن توقف القطار, فسألت الرجل عن السبب, فرد « ذلك ما اعتدناه, معظم القطارات عمرها الافتراضى منتهى, تلعب فى الوقت بعد الضائع, فهذا القطار الذى نركبه, عمره يتعدى الأربعين سنة, فضلا عن أن هناك نقصا بالسولار, و الطبيعى أن نتعطل و بعد فترة يأتى جرار ليقطرنا الى القاهرة من اجل التموين»! و يواصل الرجل: « خذ عندك هذه أيضا.. وفقا للتعليمات نضطر لقطع مسافة ثمانية كيلومترات ما بين بلوك العامرية و محطة الروس فى ساعة كاملة, فالأوامر ألا تزيد السرعة على 8 كيلو مترات فى الساعة, و خلال اجتيازنا للمناطق السكنية نتعرض للقذف بالحجارة من الصبية»!! يتوقف الرجل عن الكلام , و يتمتم ببضع آيات من القرآن الكريم.. انتظرت حتى انتهى قبل أن اسأله عن السبب فى الرعب البادى على وجهه, فقال :« هذه المنطقة يعيث فيها اللصوص فسادا, يسرقون المسامير و الفلنكات, و يهيلون الرمال و التراب على القضبان, و هو ما قد يعنى انقلاب القطار بمن فيه من ركاب و عمال». حتى الباعة الجائلون لهم نصيب فى الغنيمة, هكذا يقول عم مجدى, موضحا « هؤلاء الصبية يضربون «البلف» ما يعطل القطار و نظل نبحث عن البلف المضروب فى أى من عربات القطار, و خلال تلك الفترة يكون الباعة قد انهوا مهمتهم بنجاح.. و أيضا يكون البلطجية و اللصوص قد انهوا مهمتهم بنجاح اكبر, بالاستيلاء على متعلقات الركاب و أحيانا سائق القطار و مساعده».