هل يمكن أن تبقي صناعة السياحة في بلادنا دائماً في مهب الريح.. تزيد حركتها فترة ثم تتعثر.. تنشط حيناً وتتراجع.. وقد تعودنا علي مدي السنوات الطويلة الماضية أن تحدث طفرات في أعداد السياح ونستمر لعدة مواسم ثم فجأة يقع حادث داخلي أو خارجي أو سبب ما.. فتنام الحركة وتتناقص أعداد السياح الوافدين وتستمر كذلك لموسم أو أكثر ومع ذلك لم يفكر القائمون علي أمر الحركة السياحية في أن زيادة وتراجع أعداد السياح أمر يتكرر.. يلزم حسابه واخذ الحيطة.. ولكن أصحاب الشركات والمنتجعات لا يوجد أمامهم إلا الشكوي والصراخ والاستنجاد بالحكومة لانقاذها من عثراتها المالية.. وتزداد طلباتهم من حيث منحهم قروضاً وإعفائهم من بعض الالتزامات المالية أو تأجيلها.. المهم أننا لا نسمع إلا الشكاوي أما الاقتراحات أو تقديم أفكار تساعد علي تجاوز الأزمة.. فلا يحدث هذا هو الواقع الذي لمسته في القطاع السياحي.. ويجعلني أتساءل ماذا تفعل الغرف السياحية.. والفندقية وغيرها.. وماذا يفعل اتحاد هذه الغرف.. وماذا ينتظرون.. وأين فكرهم.. وأين أسلوبهم في إدارة الأزمات.. بصراحة لم نجد شيئاً إلا الشكوي.. طبعاً هذا الكلام أثيره بمناسبة المأساة التي تعرضت له الحركة السياحية في شرم الشيخوالغردقة علي وجه الخصوص.. وقد شاهدت خلال زيارة قمت بها لشرم الشيخ خلال الأيام الماضية وكان ذلك عقب حادثة سقوط الطائرة الروسية.. وما تبع ذلك من إلغاء الرحلات الجوية إلي المقاصد السياحية المصرية.. ومعني ذلك إلغاء كل التعاقدات التي تمت لهذا الموسم وربما للموسم القادم. بصراحة حزنت وشعرت بأسي عميق وأنا أجد هذه المدينة الساحرة خالية من السياح الأجانب إلا من أعداد محدودة للغاية وبعض السياح من الاخوة العرب وكذلك المصريين خاصة "العرايس" الذين فضلوا "أيام العسل" في شرم الشيخ.. وهذا ما لجأ إليه الصديق تامر الحسامي لتنشيط الحركة في الفندق الذي يديره. وطبيعي أن أتجول علي شواطئ القري السياحية في خليج نعمة.. وكانت مفاجأة فقد لاحظت مرور طائرة كل بضعة دقائق.. فأحمد الله علي أن هناك أعداداً من الأجانب يأتون إلي شرم الشيخ.. ولكنني كلما نظرت إلي الشواطئ أجدها خالية أتعجب.. وسألت.. أين يذهب الركاب الذين كانوا علي متن هذا العدد الكبير من الطائرات؟؟ وجاءتني إجابة أن هذه الطائرات تأتي خالية من الركاب لنقل السياح الموجودين في المدينة وتعود بهم إلي بلادهم. الواقع لقد حدثت أزمات سابقة في الحركة السياحية خصوصاً بعد أحداث الإرهاب التي كانت موجهة ضد السياح وايضا أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة.. ولكن لم تكن شرم الشيخ أو الغردقة قد تعرضت لمثل هذا الكساد الذي حدث هذه الأيام.. فقد كان بها أعداد من السياح الروس ورغم أن أسعارهم التي أتوا بها زهيدة إلا أنها والحق يقال كانت المنقذ للفنادق والقري السياحية ولكن هذه المرة غاب السياح الروس.. وخلت شرم الشيخوالغردقة والمدن السياحية الأخري منهم إلا من عدد ضئيل جداً.. وأصبح الوجوم علي كل الوجوه والحزن سيطر في كل مكان.. طبعاً خوفاً من المجهول وخشية أن يظل هذا التباعد مدة طويلة.. كذلك بدت المحلات التجارية - التي كانت تزخر بأعداد كبيرة منهم - خاوية من "الزباين". وقد لمست أثناء زيارتي لشرم الشيخ ما يؤكد علي ضرورة البحث الجاد المبني علي الفكر السليم والعمل الجاد والابتكار في التسويق والترويج والتنشيط.. وهذا بالطبع لا يمكن أن يحدث في ظل الأساليب الساذجة التي تتبعها وزارة السياحة وايضا أسلوب "المواساة" الذي اتبعه البعض من المصريين الذين قاموا بزيارات لشرم الشيخ ومعهم عدد من المحطات الفضائية الذين حرصوا علي سؤال أي شخص عن رأيه فيما حدث.. والحقيقة أن الأسئلة كانت في معظمها تافهة والإجابات أكثر تفاهة وكأن حل المشكلة لن يتم إلا من خلال "المكلمة". المهم.. أن السياحة فعلاً في خطر.. وفي رأيي أن الاهتمام الزائد بهذا القطاع والاستجابة للشكاوي المتكررة.. يجب أن يتوقف وأن ينظر العاملون إلي هذا القطاع علي أنه نشاط مساعد وليس نشاطاً رئيسياً.. لأن كل الدول المتقدمة اعتمدت في بنائها الاقتصادي علي الزراعة والصناعة.. أما السياحة فإنها تأتي كنشاط مساعد وليس نشاطاً رئيسياً.. أما ما يقال عن أنها نشاط مكثف للعمالة.. فإي أي نشاط تجاري أو حتي غير تجاري يعمل فيه ايد عاملة كثيرة.. بل أن بيع "ساندويتش الفول" يخدم أكثر من 20 عاملاً.. من هنا أري أنه لا نعتبر السياحة هي القاطرة الأساسية للتنمية الاقتصادية.. لأن العمل فيها كما شاهدنا مذبذب ويتأثر بأتفه الأسباب.. لهذا أعتقد أنه يجب النظر إلي السياحة نظرة أخري ونشاط اقتصادي آخر. هذا جانب وعلي صعيد آخر.. الذي حدث خلال الأيام الماضية من محاولات للدعاية لشرم الشيخ.. أمر محلي بحت لا علاقة له بالدعاية السياحية أو إثبات مدي ما تتمتع به البلد من أمن واستقرار.. لأن الدعاية يجب أن توجه إلي الخارج.. لانهم يريدون السائح الأجنبي وليس السائح المصري.. لأن الأول جيد الانفاق.. أما الثاني فإنه لا ينفق شيئاً لسبب بسيط في رأيهم أن المصري يأتي إلي بلد مصرية.. وبالتالي لا يحتاج إلي ما يحتاجه الأجنبي. في الوقت نفسه يتطلب الموقف الآن ذهاب أصحاب الفنادق والشركات إلي أسواق أخري غير تقليدية.. مثل امريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا.. كذلك من الأهمية مخاطبة المصريين المقيمين في أمريكا واستراليا وأوروبا لكي يقضوا اجازاتهم في شرم والغردقة. في الوقت نفسه لماذا لا توجه دعوات إلي السفراء والسفارات الأجنبية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.. لكي يقفوا بأنفسهم علي مدي ما تتمتع به هذه البلاد من أمن واستقرار. وبصراحة فإذا كانت معاملة أوروبا والغرب للسياحة المصرية بهذه الطريقة فإن الأمر يتطلب الوقوف بحزم.. حتي لو أدي الأمر إلي تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. الحقيقة أن السياحة المصرية في حاجة إلي هزة عنيفة وإلي أن نتعلم من الآخرين الأسس السليمة المفيدة والتي جعلتهم يجلسون علي القمة السياحية وبالتأكيد الزراعة والصناعة أهم كثيراً من السياحة.