اليوم.. يوافق ذكري ثورة 23 يوليو المجيدة. ومن المصادفات أن تحل علينا هذه الذكري ونحن في معمعة ثورة 25 يناير التي مازالت تعاني حالة مخاض عسيرة. نأمل أن تنتهي علي خير.. وبما يحقق آمال وطموحات الوطن. وإذا كانت ثورة يوليو قد أطلق الجيش شرارتها ثم التف حولها الشعب.. فإن ثورة 25 يناير أطلق شرارتها الشعب والتف حولها الجيش ليحميها ويدافع عنها. والحقيقة.. أنه لولا تدخل الجيش وموقفه العظيم والمشرف من الثورة منذ بدايتها لكان مسار الثورة قد تحول الي طرق أخري لايعرف أحد لها نهاية! وإذا كان هناك من يشكك في الدور العظيم الذي قام به الجيش.. فما عليه إلا أن يلقي نظرة خاطفة علي الثورات الأخري في ليبيا واليمن وسوريا.. حيث تحولت هذه البلاد الي "مجازر مفتوحة" تسيل فيها الدماء أنهاراً.. ويسقط فيها القتلي والجرحي بأعداد تفوق الحصر ويشيب لها الولدان. وإذا كانت مباديء ثورة يوليو تتلخص في إقامة حياة ديمقراطية سليمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء علي الاقطاع والقضاء علي سيطرة رأس المال علي الحكم والقضاء علي الاستعمار وأعوانه.. فلاشك أن دوافع ثورة يناير هي نفسها دوافع ثورة يوليو. الحياة السياسية قبل ثورة يناير كانت شبيهة بمثيلتها قبل ثورة يوليو.. فالأحزاب ضعيفة مهلهلة.. تغلغل الفساد فيها حتي النخاع.. وأصبحت تلعب دور "السنيدة" للحزب الوطني الذي كان هو أس الفساد والإفساد! ولاجدال في أن رأس المال هو الذي كان يدير الدفة السياسية للبلاد.. ويوجهها الوجهة التي تخدم رجال الأعمال وتحقق مصالحهم. بغض النظر عن مصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة.. والتي دهسها قطار الرأسمالية المسعورة. فأصبحت هذه الطبقات تعاني الجوع والفقر والمرض دون أن تجد من يلتفت اليها أو يحاول الأخذ بيدها لانتشالها من غائلة البؤس والحرمان. في حين تمتعت القلة من أصحاب رءوس الأموال بكل المزايا والوظائف والمناصب وحياة الرفاهية والتسلط! وإذا كانت ثورة يوليو قد أخفقت في اقامة الحياة الديمقراطية المنشودة.. فقد نجحت وإلي حد كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال قوانين الاصلاح الزراعي ووضع حد أدني للأجور والارتقاء بالطبقة العاملة.. كما نجحت في الالتزام بتشغيل الخريجين واقامة القلاع الصناعية والحضارية في ربوع البلاد من أقصاها الي أقصاها من أسوان "السد العالي".. الي نجع حمادي "مجمع الألومنيوم ومصانع السكر" الي حلوان "الحديد والصلب والأسمنت" الي الغربية "غزل المحلة" الي الاسكندرية.. وغيرها وغيرها!! ومع نجاح الثورة وامتداد تأثيرها الإقليمي والعالمي إفريقيا وآسيويا وحتي في أمريكا اللاتينية.. بدأت تحاك ضدها المؤامرات باعتبارها خطراً علي قوي الاستعمار العالمية وعلي اسرائيل بوجه خاص. وإذا كان تأميم قناة السويس من أخطر القرارات التي اتخذها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.. فإن منع تصدير الغاز لإسرائيل بالثمن البخس الذي تعاقد عليه النظام السابق لايقل أهمية ولا خطورة عن قرار تأميم القناة.. فالقناة مصرية والغاز مصري ولايجب أن يستفيد أحد من أي منهما علي حساب الشعب المصري! لقد شهدت مصر في أعقاب ثورة يوليو نهضة صناعية وزراعية وثقافية وحضارية وسياسية كبيرة وأصبحت دولة يشار لها بالبنان علي المستوي الدولي.. إلي أن جاء عصر الاضمحلال.. ففقدت مصر مكانتها الإقليمية والدولية والافريقية.. وأصبحت بعض الدول "الهامشية" في المنطقة تلعب أدواراً بارزة ولو من حيث الشكل علي الساحة العربية والإقليمية والدولية! كان المصري في عهد عبدالناصر له قيمته ومكانته واحترامه في أي مكان يحل به وفي أي دولة يزورها.. وبعد ذلك أصبح المصري لا وزن له ولا قيمة وفقد احترامه بين الجميع..! كان المصري في أعقاب ثورة يوليو 1952 يفخر بانتمائه لمصر.. ويباهي بأنه مصري. حتي بعد هزيمة 1967 لم ينكسر ولم يفقد عزيمته ولا كبرياءه ولا إرادته.. وبقي علي إصراره حتي نصر اكتوبر ..1973 ولكن بدلا من أن يتحول هذا النصر الي قوة دافعة لتحقيق المزيد من الانجازات والانتصارات بدأنا في التقاعس والركون الي أن هذا النصر هو منتهي الغايات! نتمني أن تكتمل ثورة يناير علي النحو الذي نتمناه.. وبالطريقة التي نرتضيها.. لننطلق الي آفاق جديدة تستعيد فيها مصر مكانتها.. وتحقق مجدها وسؤددها بعيداً عن المؤمرات والمصالح الضيقة التي آلت بنا الي ما قبل 25 يناير!