عمليات الطعن بالسلاح الأبيض التي جرت مؤخراً في الضفة الغربية. سواء كانت حقيقية أم ادعاءات من الجانب الإسرائيلي. تشير إلي دلالات مهمة يجدر بالمتابع أن يطيل تأملها. واستنباط ما تحمله من نتائج. أولي هذه الدلالات. أن المفاوضات لم تعد سبيلاً وحيداً لإزاحة الجمود عن الوضع الحالي في فلسطين. بدأت المفاوضات قبل أوسلو. وتم التوصل إلي بنود محددة. تنفذ علي مراحل متتالية. تنتهي باعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وعاصمتها القدس. ظلت المفاوضات محلك سر. فهي مسلسل عبثي. لا نهاية لحلقاته. الكيان الصهيوني يستثمر اضاعة الوقت في اضافة المزيد من المستوطنات.و جلب المزيد من يهود العالم. فضلا عن إحكام قبضته علي مقدرات الحياة في الضفة. التي يصعب علي السلطة الفلسطينية أن تزعم مسئولية الاشراف عليها في ظل التواجد العسكري من قبل سلطات الاحتلال. وتقييد حرية المواطنين الفلسطينيين إلا من خلال أوامر الحكومة الإسرائيلية. المفاوضات. ثم المفاوضات هي اختيار السلطة الفلسطينية الذي يمارس في ضوئه الكيان الصهيوني اعتداءاته علي أبناء الضفة. بداية بالنفي إلي غزة تحولت غزة إلي منفي! وانتهاء بالاغتيال. مروراً بالسجن لقاءتهم ملفقة. أو بالسجن الإداري. دون تحقيق ولا محاكمة. ولعلنا نجد في القيادات الفلسطينية مثل مريد البرغوتي وأحمد سعادات ممن يعانون السجن بغير تهم محددة. أمثلة واضحة علي ذلك النوع من السجن الذي قلدته إسرائيل من الحكم العنصري بجنوب افريقيا. الدلالة الأخطر التي تثير التأمل. هي تبين الشباب الفلسطيني شباناً وفتيات عبثية اللعبة. وأن العمر يمضي بهم في ظل سلطة وجدت في المفاوضات الأزلية غاية المراد. واحتلال يضيف إلي ممارساته عمليات اغتيال وتدمير ونفي وسلب للهوية. أعد جيش الاحتلال جنوده بما يقيهم انتفاضة الحجارة. فهي لا تمثل تأثيرا حقيقيا. وحتي بالنسبة للعالم الخارجي فإن مشهد العربة المصفحة التي ترتطم بها قطع الحجارة. ألفه مشاهدو القنوات الفضائية. ولعل مشاعر التأثر لحال شعب يرفض الاحتلال هي أقصي ما يعبر به المشاهد حتي المشاهد العربي للأسف عن انعكاس الصور في نفسه. الطعن بالأسلحة البيضاء خطوة تفضح اليأس من عبثية المفاوضات. ومن صمت العالم عن المشكلة الفلسطينية. إلي حد أنها تراجعت باعتراف العرب أنفسهم إلي مرحلة تالية في مشكلات العالم. يعرف الشاب أو الفتاة الفلسطينية ما ينتظره عقب محاولة طعن الجندي الذي يحتل بلده. فهي عملية انتحارية. لكنه يقدم عليها يأسا من الحاضر. ومن توقعات المستقبل. ولا يخلو من دلالة كذلك أن الطعنات لم تعد توجها فحسب إلي جنود الاحتلال. بل إلي المستوطنين الذين جلبوا من أنحاء العالم ليستوطنوا أرضا طرد منها أصحابها. الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية. اشارة للسلطة الفلسطينية كي تحاول البحث عن حلول أخري لقضية شعبها. وانذار للكيان الصهيوني بأن الخطر الذي يتهدده ربما جاوز التدبيرات. وانذار كذلك لساسة الغرب بأن السكوت عن قضية شعب يؤمن بحريته. وحقه في الأرض والأمن قد يفضي إلي نتائج يعرفها من يدركون قدرة الشعوب علي انتزاع حقوقها!