كم تمر الأيام سريعا.. بالأمس أقامت اسرائيل الدنيا وأقعدتها لأنها نجحت في اعتقال "الارهابي" مروان البرغوتي خلال اجتياح قواتها للضفة الغربية بمقتضي اتفاق غزة أريحا. وكان ذلك انتقاما لعملية استشهادية ناجحة قامت بها المقاومة الفلسطينية في قلب تل أبيب. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون وقتها إن اعتقال البرغوتي اجمل هدية للشعب الإسرائيلي في عيد الاستقلال "نكبة فلسطين". وسرعان ما تمر الأيام لنجد أن عشر سنوات قد مرت علي اعتقال ذلك "الإرهابي" الذي لم يكن في حقيقة الأمر سوي أحد زعماء المقاومة الفلسطينية الذين القت إسرائيل ببعضهم في غياهب سجونها الرهيبة أو قصرت الطريق واغتالتهم. وكان البرغوتي وقتها من الناحية الرسمية أمين سر حركة فتح بالضفة الغربية ومقربا من الزعيم الراحل ياسر عرفات. وكانت جريمته انه قاد انتفاضة الشعب الفلسطيني التي اندلعت عام 2000 في أعقاب اقدام الخنزير اليهودي شارون علي تدنيس الحرم القدسي الشريف مع ثلاثة آلاف من قوات الاحتلال في 28 سبتمبر. ولم يكن تدنيس الحرم الشريف هو السبب للانتفاضة بل تجمعت أسباب عديدة منها اكتشاف الشعب الفلسطيني أنه اشتري وهما اسمه اتفاق غزة أريحا فهي لم تمنع الاستيطان المسعور ولم تمنع اسرائيل من ملاحقة الكوادر الفلسطينية بالاعتقال والتصفية. وسبق له أن شارك في انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987 وتعرض للاعتقال والنفي الي الاردن لسبع سنوات قبل أن يعود إلي فلسطين عام 1994 في أعقاب اتفاق غزة أريحا. وتمت محاكمة البرغوتي "54 سنة حاليا" أمام القضاء الاسرائيلي وصدرت عليه خمسة احكام بالسجن المؤبد. وكان العالم يطالع جلسات محاكمته وهو يجلس مقيدا في الأغلال ويتحرش به حراسه دون أن يحرك ساكنا..! وكانت التهمة جاهزة وهي أنه القائد الحقيقي لكتائب شهداء الأقصي الجناح العسكري لحركة فتح. كما اتهمته بأنه كان من كبار معاوني القائد الفلسطيني أبوجهاد الذي اغتالته الموساد عام .1988 ولم ينل الاعتقال والتعذيب من عزيمته ولا حتي الأمراض التي أصابته في السجن من التعذيب وسوء المعاملة "ذكرت الصحف أنه يعاني من آلام في ظهره". وفي ذكري مرور عشر سنوات علي اعتقاله. دعا البرغوتي في رسالة بعث بها من محبسه إلي انطلاق موجة جديدة من المقاومة الشعبية وقطع كل العلاقات مع إسرائيل. معتبراً أن ذلك يخدم القضية الفلسطينية في هذه المرحلة. وطلب في رسالة تمت تلاوتها أمام حشد من مؤيديه في رام الله بالتوقف عن تسويق الأوهام بإمكانية إنهاء الاحتلال وإنجاز الدولة من خلال المفاوضات بعد أن فشلت هذه الرؤية فشلا ذريعا. ودعا البرغوتي الي "مقاطعة شاملة للبضائع الاسرائيلية رسميا وشعبيا. وتوجيه دعوة رسمية فلسطينية لفرض عقوبات ومقاطعة سياسية واقتصادية ودبلوماسية شعبية ورسمية علي اسرائيل. ودعا الدول العربية والاسلامية لمقاطعتها والعمل علي عزلها. ومقاومة ورفض كل أشكال التطبيع مع الاحتلال". وطالب بتجديد الجهود من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهو مسعي فشل العام الماضي عندما ساندت واشنطن اسرائيل واستخدمت حق النقض "الفيتو" لرفض القرار بدعوي أنه خطوة أحادية الجانب تهدف للالتفاف علي المفاوضات. واضاف في رسالته أنه "علي القيادة الوطنية مكافحة الفساد باعتباره وجها آخر للاحتلال. ويجب أن يطال رموز الفساد الذين لم يتعرضوا للمساءلة حتي هذه اللحظة. وهو جزء من مقاومة الاحتلال". وينظر المراقبون إلي البرغوتي كشخص لايزال يتمتع بقبول كبير في الشارع الفلسطيني وبين العديد من الفصائل ومازال لوجهات نظره قبول كبير لدي الشارع الفلسطيني. كما يتمتع بقبول واسع بين الفصائل الفلسطينية. وعند اعتقاله ذهب البعض الي ان اسرائيل سوف تسعي لاستغلال تلك الشعبية وتعرضه لنوع من غسيل المخ ليخرج شخصا آخر كما حدث مع غيره مثل محمد دحلان او جبريل الرجوب لكن ذلك لم يحدث ولا نعتقد أنه يمكن أن يحدث. ويستند من يستبعدون ذلك عن البرغوتي الي أنه صاحب تاريخ طويل من الكفاح من أجل فلسطين حيث انخرط في صفوف حركة فتح منذ كان في الخامسة عشرة من عمره وكانت اولي تجاربه مع الاعتقال في سن الثامنة عشرة كما أنه صاحب تاريخ طويل في العمل الاجتماعي العام لصالح المجتمع الفلسطيني.