هذا أعظم يوم في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.. يوم أن تم تطهير الأرض المصرية من دنس الصهاينة.. يوم أن انتصرت مصر علي هواجس الإحباط والتردد.. وارتفعت فوق دعوات الخذلان.. لكي تخوض أشرف معركة. وهي علي قلب رجل واحد.. لتحقق أروع انتصار.. ولتحطم أسطورة الجيش الذي لا يهزم. إنه يوم السادس من أكتوبر عام 1973. الذي تحفظه الأجيال.. ويجب أن تحفظه.. لتعرف كيف تحقق النصر المجيد لوطننا ولأمتنا علي أيدي رجال عظام.. حاربوا بشجاعة الفرسان في ظل ظروف صعبة وإمكانات غير متكافئة.. واستطاعوا أن يغيروا المعادلة لصالحهم.. وأن يهزموا العدو المتغطرس.. وسجلوا أنصع صفحات الفخار العسكرية المصرية. كان نصر أكتوبر 1973 نقطة فارقة في حياتنا.. ومازال حتي اليوم مصدر إلهام لكل من يريد أن يعمل عملاً صالحاً. ويرسم مستقبلاً أفضل للوطن.. ومازال مثالاً يُحتذَي لكل من يريد أن يحقق إنجازاً متكاملاً علي هذه الأرض الطيبة.. وسيظل نصر أكتوبر قوة الدفع الهائلة التي نستمد منها الإرادة الصلبة أيضاً. ونحن نخطط ونعمل.. ونستمد منها الإرادة الصلبة أيضاً. ونحن نواجه أخطر التحديات ونواجه الإرهاب.. في عالم يموج بالتقلبات السريعة. ويتسم بالتهور والاندفاع. ويقيناً.. فإن السادس من أكتوبر هو أفضل مناسبة نستطيع من خلالها أن نقول لأبنائنا وأحفادنا: إننا قادرون علي أن نتحدي كل الصعاب.. وأن نبني بلدنا. ونصحح مسيرتنا. وننقي صفوفنا من الفاسدين والمنتفعين.. حتي نصل بمصر إلي بر الأمان.. ونقول للعالم أجمع: إننا قادرون علي الصمود.. وقادرون علي مواجهة المؤامرات.. ونكسر حاجز اليأس. وهواجس الإحباط مرة أخري.. وبروح أكتوبر سوف ننتصر. والحقيقة أن عودة روح أكتوبر إلينا.. أو عودتنا إلي روح أكتوبر.. هي في الواقع عودة إلي الذات.. ومَن يقرأ التاريخ يدرك أن مصر في لحظات التحدي تخلع عنها عباءة الصمت. وترفع راية الأمل.. ولا تعترف بالعجز أبداً.. وكم مرت بمصر من لحظات صعبة. ظن أعداؤها أنها النهاية.. ثم ثبت أنها البداية.. والميلاد الجديد. لم يكن في أكتوبر 1973 فتنة طائفية مقيتة.. ولا إرهاب أسود.. ولا تربص من فئة لفئة.. ولا طمع وجشع.. كنا رجلاً واحداً. وقلباً واحداً. وهدفاً واحداً.. لذلك انتصرنا. لم يكن هناك عدوان علي أراضي وأملاك الدولة.. ولم يكن هناك فساد يبتلع مقدرات الوطن.. ولم يكن هناك جشع في نفوس التجار. يرفع الأسعار كل يوم أضعافاً مضاعفة.. ولم تسجل محاضر الشرطة بلاغات للسرقة والنهب والقتل.. كانت أياماً نورانية.. وكأننا كنا في حلم جميل.. أو في جنة لا لغو فيها ولا تأثيماً. ماذا حدث لنا.. ولماذا تغيرنا؟!! للأسف.. كان لنا حلم واحد. فصار لكل منا حلمه الخاص.. وتفشت فينا أخلاق سلبية "أنا ومن بعدي الطوفان".. ضاعت "نحن" وحل محلها "أنا".. وهذا لعمري مرض خطير. يفت في عضد الأمم متي استشري فيها.. ويدمر خلايا المناعة في أي مجتمع إذا لم يتنبه لمقاومته. إن الأيام الخالدة في تاريخ الأمم ليست مجرد ذكري تأتي وتمر.. لكنها مناسبات ملهمة.. وما كان التاريخ إلا عبرة وعظة.. نأخذ منه المداد لنصنع المستقبل علي نحو أفضل من الماضي.. وما أحوجنا اليوم إلي روح أكتوبر لكي ننطلق بها إلي بر الأمان.