منذ أن أعلن المكتب الهولندي انسحابه من الدراسات الفنية لسد النهضة الاثيوبي والمهتمون بملف هذا السد الكارثة يضربون أخماساً في أسداس.. لقد عدنا إلي نقطة الصفر.. وانكشفت الحقيقة التي لا مراء فيها.. فاثيوبيا تماطل وتتلاعب وتتآمر لكي تكسب الوقت وتكمل مهمتها حتي تفرض علينا الأمر الواقع.. تعطينا من طرف اللسان حلاوة ووعودا ثم تتحرك من وراء الكواليس لتفرغ الوعود من مضمونها.. هو نفس الأسلوب الذي تتبعه اسرائيل في محادثاتها. اثيوبيا كانت من البداية رافضة لدخول المكتب الهولندي في الدراسات نظرا لسابق خبراته وتخصصه ودقته.. وضغطت كثيرا من أجل أن ينفرد المكتب الفرنسي الموالي لها بالدراسات.. وبعد أخذ ورد تم الاتفاق علي أن يتولي المكتب الفرنسي 70% من الدراسات ويترك للمكتب الهولندي 30%.. ثم مضت عدة شهور حتي أعلن المكتب الهولندي في الأسبوع الماضي انسحابه ملمحاً إلي أنه تعرض لضغوط كثيرة لن تمكنه من أداء مهمته.. وذلك في الوقت الذي أتمت فيه اثيوبيا حوالي 47% من بناء السد. ومن يطلع علي محضر الاجتماع الذي عقدته مجموعة حوض النيل تضم 15 أستاذاً وخبيراً وسفيراً في جامعة القاهرة مساء الثلاثاء الماضي لبحث أزمة سد النهضة بعد انسحاب المكتب الهولندي سوف يصاب بالدوار من هول الحقائق والمخاطر التي كشفت أبعادها هذه المجموعة والتي تتناقض تماماً مع كل ما قيل في الصحف ووسائل الإعلام للتهوين من كارثة السد.. وطمأنة الناس كذباً إلي أن الأزمة في طريقها إلي الحل إن لم تكن قد حلت فعلاً.. ولا ننسي ان هناك من أخذته النشوة بعيداً فأعلن أن اثيوبيا دولة شقيقة وصديقة وأن السد في مصلحة مصر. الآن يقول الخبراء كلاماً مختلفاً ومخيفاً.. ففي الاجتماع المشار إليه أكد الدكتور محمد نصر الدين علام إن مسار المفاوضات الحالي وصل إلي نهايته ويجب التحول إلي مبادرة سياسية تدعو لقمة ثلاثية لتصويب المسار والتفاوض السياسي لتجنب أضرار السد.. فإن لم تستجب اثيوبيا فعلينا المطالبة بوساطة دولية أو إقليمية أو مطالبة اثيوبيا بالذهاب إلي التحكيم الدولي.. وفي حالة تعنت اثيوبيا يمكننا اللجوء إلي مجلس الأمن لما تمثله الأزمة من تهديد للسلم والأمن الإقليميين.. والذهاب إلي مجلس الأمن قد لا يؤدي إلي إيقاف اثيوبيا مخطط السدود.. لكنه يحفظ حق مصر في اتخاذ ما تراه مناسباً حفاظاً علي حقوقها المائية.. وأشار د. علام إلي أن السد مبالغ في حجمه وارتفاعه.. هو مشروع سياسي وليس تنموياً للتحكم في مياه النيل مما يؤثر سلباً علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في مصر ويحد من دورها الإقليمي. والسؤال: ماذا لو ذهبنا إلي التحكيم أو إلي مجلس الأمن وكانت النتيجة في غير صالحنا؟!.. هل نترك أرواحنا وحياتنا تحت رحمة التحالفات المشبوهة والمؤامرات التي تحيكها اثيوبيا مع أعدائنا؟! الدكتور هاني رسلان عضو مجموعة حوض النيل كان أكثر وضوحاً عندما قال انه بعد اكتمال بناء سد النهضة لن تكون هناك فرصة حقيقية لإعادة ملء السد العالي مرة ثانية.. سيكون امتلاؤه جزئياً فقط أثناء سنوات الفيضان العالية.. وسوف يتعرض السد إلي التفريغ أثناء دورات الجفاف.. أوضح د. رسلان ان أضرار سد النهضة علي مصر تتمثل في بوار الأراضي الزراعية وانخفاض منسوب المياه الجوفية.. وزيادة تداخل مياه البحر في الدلتا وتملح أراضيها.. وتلوث مياه النهر والترع والمصارف والبحيرات الشمالية وتهديد الثروة السمكية.. فضلاً عن تشجيع بقية دول حوض النيل علي تنفيذ مشاريع السدود الكبري والمتوسطة وإنشاء اثيوبيا بقية سدودها وانضمام جنوب السودان إلي اتفاقية عنتيبي وتنفيذها مشاريع استقطاب فواقد النهر بتمويل ودعم دولي لبيع المياه لمصر وتوسع السودان في الزراعات علي مياه النيل الأزرق خصماً من حصة مصر.. وليس مستبعداً انضمام السودان إلي اتفاقية عنتيبي وتنصلها من اتفاقية .1959 القضية ليست قضية سد النهضة فقط.. ويجب أن تخرج من دائرة المزايدات السياسية.. القضية بالنسبة لنا قضية حياة أو موت.