علي الرغم من انتشار عدد كبير من الأغاني الوطنية خلال السنوات الأخيرة وخاصة في اعقاب ثورة 25 يناير و30 يونيو إلا أن كثيرا منها أصبح طي النسيان ولا يتذكر الجمهور منها إلا القليل علي العكس تماما من الأغاني الوطنية القديمة التي تغني بها كبار مطربي الوطن العربي والتي ظلت خالدة في أذهان ووجدان الجماهير حتي اللحظة ولا تخلو مناسبة وطنية من إذاعة وعرض تلك الأغنيات الخالدة. "المساء الأسبوعية" تفتح ملف الأغنيات الوطنية وتطرح التساؤلات عن أسباب الظهور السريع والنسيان الأسرع لتلك الأغنيات من خلال السطور التالية. " الفنانة نادية مصطفي ألقت باللوم علي المسئولين بالإذاعة والتليفزيون لعدم إذاعة الأغاني الوطنية الحديثة. والاعتماد علي القديم فضلا عن إذاعتها ارتباطا بالحدث وليست بشكل دائم. أضافت قدمت أغنية وطنية بعنوان "بلدك بتشكي" في عهد الإخوان ولكنها لم تذع نظرا لأنها ضد حكم الإخوان. وكذلك الفنان هاني شاكر قدم أغاني وطنية ولكنها لم تذع بالقدر المطلوب حتي تعلم مع الجمهور. وأيضا أغنية "يا مصريين فوقوا" التي كانت بمثابة إنذار للشعب ولم تذع وعلي الرغم من ذلك هناك عدد قليل من الأغاني الوطنية التي كان لها دور ايجابي منها اغنية "يامصريين" للفنانة آمال ماهر "وبشرة خير" لحسين الجاسمي وهذه الأعمال حركت بداخلنا الإحساس الوطني. " الفنانة أنوشكا قالت: الأساس في الأغنية الوطنية هو الاحساس وعندما أقدم أو أي فنان آخر أغنية وطنية فلابد أن تحمل رسالة مهمة للمجتمع ونقدمها بحب وصدق في الكلمة والآداء واللحن. وإذا تطلب الأمر أقدمها علي حسابي وبعيدا عن شركات الانتاج. وهو ما حدث بالفعل في أغنية "بلاد طيبه" التي كانت من انتاجي. وقدمتها منذ أكثر من خمسة عشر عاما مع الفنان محمد منير والتي اعتبرها حالة فنية خاصة ولن تتكرر. ولذلك هي تعرض حتي الآن علي كل القنوات الرسمية والخاصة وكانت تتصدر المشهد الغنائي وقت الثورة لأنها أغنية صادقة في اللحن والكلمة والآداء وبالتالي توافرت لها عناصر النجاح التي قد لا تتوافر حاليا لبعض الأغاني الوطنية. " الفنان سمير الإسكندراني قال: الأغنية الوطنية حالة خاصة جدا من الغناء. والعاطفة فيها هي الأساس. فإن صدقت وصلت للناس وتركت في أنفسهم أروع تأثير. مضيفا ان كتابة الأغاني الوطنية يحتاج دائما لاختيار الكلمة المناسبة المعبرة عن الحدث بقوة. فهي تحتاج لكلمات خاصة وتدقيق شديد كما أنه لا يجوز اطلاقا الاستعجال في كتابتها كما يحدث الآن. حيث يؤثر ذلك عليها بالسلب ويجعلها مفتعلة وتفقد قيمتها الوجدانية والعاطفية. اضاف: الأغنية الوطنية المصرية قديمة ولها تاريخ طويل ولكنها ظهرت بقوة في فترة الاحتلال الانجليزي علي مصر وخاصة آبان ثورة 19 التي أبدع فيها سيد درويش أجمل أغانيه وألحانه وسط ظهير وتوافق شعبي هائل جعل للأغنية الوطنية دوراً كبيراً في المقاومة وتحفيز الشعب علي الثورة. فإبداع لحن يوافق الحدث الوطني ويدعمه ويحييه. يختلف تماما عن افتعال الألحان دون وعي بقيمة المناسبة الوطنية وأهميتها. " المطرب إيمان البحر درويش قال: الأغاني التي تقدم ليست من القلب لذلك لن تعلم مع الناس. بعكس الأغاني التي قدمناها من قبل كانت عن اقتناع الفنانين زمان بالثورة. لذلك صدقنا الجمهور دون محاولة للنفاق. ويضيف الاعلام يتعمد عدم إذاعة أغاني كل من كان له موقف من ثورة 25 يناير فقد منعت أغنية "ثورة تحدي" من كلمات مصطفي درويش وألحاني نتيجة أنها الغنوة الوحيدة التي كانت تتحدث عن فترة ما بين ثورتي 25 و30. وأيضا أغنية "صرخة وحوشك" التي تتحدث عن رجال الداخلية الذين ضحوا بأنفسهم ولكنها أيضا لن تذاع وفضلت اذاعتها علي موقع "يوتيوب" مشيرا إلي أن الاعلام يقوم بإذاعة الأغاني القديمة عن الأحداث الحالية وكأن مصر أصبحت عقيمة فضلا عن اختيارهم لنماذج سيئة لا ترقي ألحانهم ولا كلماتهم التي تعبر عن الحدث. " الموسيقار منير الوسيمي قال: الأغنية الوطنية لها خواص مختلفة عن أي نوع آخر من الأغاني. وهي دائما تحتاج لوجود حدث قوي يلتف الشعب حوله حتي تخرج الفكرة معبرة عن احساس المواطن. مضيفا انه قدم أغنية "الشعب والجيش والوطن" علي حسابه الخاص ولاقت نجاحا كبيرا بالخارج وتعرض طوال الوقت علي قنوات عربية عديدة ولكنها لا تذاع في مصر ولا أعرف لماذا؟ وألقي الوسيمي باللوم علي الجهات الانتاجية التابعة للدولة مؤكدا أن الأغاني الوطنية تحتاج لأمكانيات كبيرة كالكورال والاستديوهات المجهزة وغيرها حتي تخرج الأغنية في النهاية بشكل قوي ومعبر عن الحدث. نافيا أن تكون أزمة الأغنية الوطنية في الكتابة أو اللحن. وقال: الشعراء والملحنون بخير وقادرون علي تقديم أغنية وطنية متكاملة في أصعب الظروف. لكن المشكلة في السرعة التي تجعل الألحان والأغاني في النهاية ضعيفة و"ملطوشة" وليس بها أي جديد في كثير من الأحيان. " الموسيقار حلمي بكر قال: الأغنية الوطنية في انهيار تام حالها كحال باقي ألوان الغناء وأصبحت موضة لكل من هب ودب. والدليل علي ذلك اننا اصبحنا نعتمد علي مطربين من الخليج كي يغنوا لمصر مثل "حسين الجسمي" ويبقي السبب الرئيسي في ذلك أن المطربين النجوم فضلوا الاعلانات علي أن يغنوا لمصر والباقي يغنون كتأدية واجب فلا يصدقهم الجمهور. بينما كان فنانو الزمن الجميل يحملون علي عاتقهم هموم بلدهم فصدقهم الشعب. مضيفا الأغنية الوطنية أحيانا ما تكون "فعل" أو رد "فعل" كأن تلقي الضوء علي مشروع قومي كما غني عبدالحليم حافظ للسد العالي وهكذا. " الشاعر سيد حجاب قال: الأغنية الوطنية النابعة من معركة جماهيرية حقيقية هي التي تترك تأثيرا عند الناس أما الغنوة التي تتبع منهج التلقين والحشد دون قضية شعبية تشد تأثيرها بالإلحاح سرعان ما ينتهي هذا التأثير والغنوة التي تعيش حتي الآن التي خلقت في المعارك الوطنية منذ ثورة 19 للفنان سيد درويش ثم الحالة الناصرية "عبدالحليم حافظ" وأغاني المعارضة وليست الرسمية. أضاف في السنوات الأخيرة أصبح المسئول عن انتاج الأغنية الوطنية جهات أخري وليست الاذاعة والتليفزيون وانتجوا عددا من الأغاني في فترة عداء الشعب للإخوان المسلمين. ولا يفي بالمطالب الشعبية وبالتالي لن نجد سوي غنوتين فقط حققتا نجاحا هما "تسلم الأيادي" و"بشرة خير" علي المستوي الرسمي في مقابلهم عدد من الإبداعات الجيدة نجدها فقط علي موقع "اليوتيوب" التي لم تذع بالقنوات ولا تتاح لها المنابر الرسمية. أضاف ان المشكلة الحقيقية تكمن في أن الدولة بأجهزتها الثقافية والإعلامية لم تكن منتجا للأغنية الوطنية وتركت المهمة لجهات أخري وبالتالي هذه هي رؤيتها تظل محضورة في المناسبات التي تولد ميته وهذا ما حدث منذ 30 عاما في حفلات أكتوبر. وعن رفض المنتج الخاص المشاركة في انتاج الأغاني الوطنية قال علي المليجي مدير احدي شركات الانتاج الفني علي العكس تماما. المنتجون الآن يشاركون في انتاج الأغاني الوطنية بكثرة. ولا توجد شركة انتاج إلا ولها مطرب أو أكثر قدم عملا غنائيا وطنيا. ولقد قدمنا لمطربينا العديد من الأغاني الوطنية وكان آخرها للفنان رامي صبري احتفالا بافتتاح قناة السويس الجديدة والحمد لله حققت نجاحا كبيرا. فالأغنية الوطنية الآن أصبح لها جمهورها وينتظرها الناس كبارا وصغارا. بل إنها اصبحت تنافس الأغاني التقليدية في قوتها ونجاحها. وبعيدا عن لغة المكسب والخسارة فإن دعم وانتاج الأغاني الوطنية واجب وطني سواء في المرحلة الحالية أو في أي وقت.