هناك ما يشبه "الحوار المجتمعي" بين كافة أطياف الشعب ووسائل إعلامه المختلفة حول ما جري خلال الأسبوع الماضي من مظاهرات واعتصامات وانفلاتات وتهديدات. البعض يؤيد كل ما جري. والبعض الآخر يرفضه جملة وتفصيلاً. والبعض الثالث يؤيد أشياء ويرفض أشياء أخري.. وأنا شخصياً من هذا البعض الأخير. كلنا رأينا وشعرنا بل وتأكدنا أن هناك حالة من الاسترضاء والتراخي والجمود والبطء في اتخاذ القرارات واللف والدوران حولها.. وهو نفس تفكير واجراءات ما قبل الثورة. وكلنا علي يقين أن لا شيء يمكن أن يتحقق من تلقاء نفسه فمازال الكثيرون يرتدون أثواباً ويفكرون بعقلية الماضي ولم يتعودوا علي سرعة الانجاز. وكلنا مؤمنون بضرورة التسريع خاصة في الأمور المهمة والملحة مثل دم الشهداء ومعاقبة الفاسدين وإحداث تغيير جذري فيمن يتقلدون مناصب تمس حياة الشعب للارتفاع بالمستوي المعيشي للمواطن وتوفير فرص عمل وجذب استثمارات جديدة وعودة الحياة الطبيعية للبلاد. ومن المؤكد أن هذا لن يتم أبداً إلا إذا تجسدت عدة ثوابت علي الأرض بحيث لا نحيد عنها أو نحاول تغييرها أو نعبث بها: * أولاً: أن عجلة مصر الحديثة قد دارت للأمام ولا يمكن أن تعود للخلف ثانية. * ثانياً: أن مطالب الثوار التي هي مطالب الشعب كله لابد أن تتحقق باجراءات سريعة وملموسة وفق القانون. * ثالثاً: نتفق أو نختلف مع الحكومة فهذا وارد.. نطالب باستمرارها أو تعديلها أو اقالتها فهذا من حقنا أن نعلنه وعلي الملأ ونسعي لتحقيقه سلمياً بلا ضرر أو ضرار ودون أي تعطيل لمصالح الناس. * رابعاً: ليس وارداً أبداً ولا يجوز مطلقاً المساس بالقوات المسلحة ومجلسها الأعلي.. ويجب ألا ننسي أن نجاح الثورة لم يكن ليتحقق إلا بمساندة الجيش الذي حمل علي اكتافه مسئولية الحفاظ علي أرواح الشعب وتأمينه ودعم مطالبه المشروعة والاطاحة بالنظام السابق. * خامساً: أن التظاهر والاعتصام حق مشروع للتعبير عن الرأي والإعلان عن رفض أمور واجراءات وكعامل ضغط لتحقيق المطالب ولكن بما لا يؤثر علي الحياة العامة ومصالح المواطنين. * سادساً : أن الانفلات ولغة التهديد والوعيد مرفوضة شكلاً وموضوعاً ولابد أن تواجه بحسم وشدة واتخاذ كافة التدابير للتصدي لها ومنعها. من أجل كل ذلك.. اؤكد علي الآتي: 1 علي الجميع أن يطمئن إلي أن النظام السابق لن يعود أبداً.. لا هو نفسه ولا شبيه له.. لقد ولي هذا الزمن بكل ما فيه.. فلماذا التخوف؟ 2 ضرورة أن تسرع الحكومة في تنفيذ مطالب الشعب باجراءات شفافة ودون لف أو دوران أو ضغوط.. فليس منطقياً أبداً أن يتم تنفيذ أمر ما في شهور رغم امكانية تنفيذه في أقل من أسبوع. 3 ليس مستساغاً علي الاطلاق ألا يتم تحقيق المطالب سوي بالضغط والتظاهر والاعتصام وآخرها علنية المحاكمات. حركة الشرطة.. وفي الطريق التعديل الوزاري وتغيير المحافظين.. كانت فين الحكومة من زمان؟ 4 نرحب بالمطالب المشروعة التي تغير وجه الحياة علي أرض مصر.. أما التي تستهدف القفز علي السلطة من خلال الانتخابات أم الدستور أولاً والتي حسمها الاستفتاء أو عن طريق مجلس رئاسي غير منتخب من الشعب. أو المطالبة بإبعاد المجلس العسكري الذي دافع عن الثورة وحماها وكان رمانة ميزان الأمان والسبب الرئيسي في نجاح هذه الثورة بعد توفيق الله. أو بالتطاول علي هذا المجلس والتهكم علي بعض اعضائه.. فإن هذا يعد انفلاتاً مرفوضاً.. ولا مجال فيه لحرية الرأي والتعبير أو محاولة ترسيخ حجته أنه من اخطاء الممارسة الديمقراطية التي لابد أن نستوعبها!! 5 تفريغ مجمع التحرير من موظفيه ومنع دخولهم ثانية ليس له مسمي سوي "بلطجة". والتهديد بغلق الطرق الرئيسية واقتحام مجلس الوزراء والاستيلاء علي قناة السويس وغلقها أمام الملاحة الدولية لايعني سوي إرهاب قلة منحرفة ومغرضة وهي جرائم تستلزم المحاسبة لأنها تضر شعباً بأكمله ودولة كبري هي درة الدول العربية.. ومن المؤكد أن هذه الجرائم لم يرتكبها ثائر شريف بل مجرم من اعضاء الثورة المضادة أو من يريدون الاضرار بثورة يناير ومن يتحركون وفق اجندات خارجية تريدها ناراً ودماراً.. ولكني اعتب علي ثوارنا ترك هؤلاء يندسون بينهم يقولون ويفعلون ما يشاءون ويجب أن يبعدوهم فوراً ولو بالقوة. لا يكفي اعادة فتح مجمع التحرير ثانية ولا يكفي نفي التصريحات المسيئة أو التهديدات الجوفاء.. بل لابد من تسليم من ارتكبوا ذلك للسلطات وهدم المنصة المشبوهة التي تتطاول علي القوات المسلحة وفتح الطريق للناس. لذلك.. ورغم تأييدي لحق التظاهر والاعتصام فإنني لست مع مليونية "الكفن" تحديداً والتي نظمت أمس.. فهي بلا هدف ولا معني ولا أيضاً نتائج. لا أحد يملك "زراير" يضغط عليها لتحقيق المطالب.. هناك فرق كبير بين الضغط للتسريع وبين تعطيل مصالح الناس. ما معني أن ينام الآلاف في ميدان التحرير أسبوعاً ويعطلون أعمالهم ومصالح غيرهم؟ معظم المطالب تحققت أو في طريقها للتحقيق وفق جدول زمني اقصاه نهاية الشهر أي 15 يوماً فقط علي الأكثر فلننتظر انتهاء توقيت هذا الجدول.. وبعدها افعلوا ماشئتم ومعكم ساعتها كل الحق.. أليس هذا هو المنطق والعقل؟ ولا تنسوا أن رموز النظام السابق الآن في "طرة".. أي تحت السيطرة. ثم.. ابحث يا شعب مصر عن صاحب المصلحة في اطلاق تلك التهديدات الآن.. وفي جلب مئات الأطنان من الصواريخ المضادة للدروع والأسلحة المتطورة جداً والتي ضبطت علي حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية قادمة من إسرائيل وليبيا والسودان! إن هناك مخططاً لتقسيم البلاد.. ونحن في واد آخر وننقسم حتي علي أنفسنا. البحث عن أصحاب الأصابع السوداء القذرة.. أهم كثيراً من مطالب فئوية أو مكاسب يمكن تأجيلها قليلاً.