بعد أن استقر سعيد بن عامر الجمحي واليا علي شئون منطقة حمص كان نور الإيمان يضيء له الطريق خلال إدارة هذا الركن من أرض الشام عدلاً في ضوء قيم الدين الحنيف كما كانت نصائح أمير المؤمنين نصب عينيه فهو الصدر الحنون لكل فرد من أبناء هذه الرعية ويسهر علي أحوال هؤلاء ولا يرتاح له بال حتي يطمئن علي كل شئونهم. وكما هي مبادئ الإسلام كان سعيد بن عامر يؤم الناس في الصلاة علي مدي الصلوات الخمس ويهدأ باله حينما يجد الاستقرار والاطمئنان يعم ربوع المنطقة. وفي فجر أحد الأيام لم يكد ينتهي من صلاة الصبح حتي وجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بين المصلين حيث أدي الصلاة خلفه علي الفور توجه نحو عمر فاحتضنه بكل الحب والتقدير وبعد الترحيب بأمير المؤمنين أخذ عمر كعادته في التعرف علي كل أحوال الناس بالولايات التي تقع في نطاق مسئوليته. ولا يطمئن له بال حتي يعم الأمن والأمان والاستقرار لهؤلاء الذين شاءت إرادة الله أن يتولي شئون حياتهم وفي إطار هذه المسئولية لم يتوان أمير المؤمنين أي لحظة فقام بسؤال أهل حمص عن هذا الوالي الذي كلفه بإمارة المنطقة. فقال لأهل حمص: كيف وجدتم هذا الوالي؟ فأخذوا يشكون إليه خاصة أنهم معروفون بكثرة شكوي من يتولي ولايتهم. وفي الإجابة علي السؤال قالوا: الشكاوي تتلخص في أربعة أمور: أولاً: لا يخرج حتي يبدو النهار ويعم نوره كل الأماكن. عمر: هذا شيء.. وماذا؟ قالوا: لا يلبي طلبات أحد بالليل. عمر: وماذا أيضا؟ قالوا: له يوم في الشهر لا يراه أحد. عمر: ثم ماذا؟ قالوا: إنه في بعض الأحيان تأتيه نوبه فيغيب عن إحساسه وبمعني أوضح أنه كالمغمي عليه. بعد أن استمع إلي هذه الشكاوي قال في نفسه: اللهم لا تخيب ظني في سعيد بن عامر. لانه يعرف مدي إخلاص سعيد بن عامر وتفانيه في أداء العمل. ثم قال لسعيد ماذا تقول إجابة علي هذه الشكاوي فقال سعيد بن عامر: وإن كنت لا أحب ذكر هذا الأمر.. ويتلخص في انه ليس لدي خادم فأتولي إعداد الخبز وهذا الأمر يستغرق وقتا ثم اخرج إليهم. سأل عمر: ثم ماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدا بالليل. وجاء جواب سعيد بأنه جعل النهار للرعية والليل للحق تبارك وتعالي. ثم قالوا: إنه يغيب يوما في الشهر؟ أجاب سعيد: بأنه خصص هذا اليوم لشئونه الداخلية من غسل الملابس وتهيئة المنزل ليكون جاهزا علي مدي الشهر. عمر: وماذا عن تلك الاغماءات التي أشاروا إليها؟ قال سعيد: لقد شاهدت مصرع خبيب الانصاري وهو بمكة وقد مزق الكفار جسده وقالوا اتحب أن تري محمدا مكانك؟ فقال: ما أحب أن تصيب الرسول أي شوكه. فكلما تذكرت ذلك وانا مشرك حينئذ وتخاذلت عن نصرته فكلما جاءت هذه الذكري انتابتني نوبة الاغماء حيث اعتقدت ان هذا الذنب لن يغفره الله ابدا. هنا اقتنع عمر وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك؟ ولنا لقاء آخر مع هذا الصحابي ذي الإيمان القوي.