من الأولويات التي أهتم بها الإسلام وأولاها عناية خاصة الحفاظ علي وحدة الأمة وتحقيق الأمن والامان لكل عناصر المجتمع.. كما حدد القواعد التي تجري بها حركة الحياة دون معوقات وحذر من الانقسام والتشرذم وأرسي دعائم الاخوة بين كل من ينتمي الي الدين الحنيف.. "انما المؤمنون إخوة" ونبه إلي ضرورة مراعاة القيم في العلاقات بين سائر البشر لايسخر قوم من قوم. ولاتنابز بالالقاب والإقلاع عن الظن السييء كما اشار الي حقيقة يغفل عنها كثيرون وهي ان كل البشر خلقهم الله من ذكر وانثي فلا فضل لأحد علي أخر ولماذا يتعالي ويبطش الانسان بأخيه غرورا وتعاليا. إن حماية الأمة من هذه الصفات الذميمة تستهدف السعي نحو البناء والعمل الجاد والارتقاء بكل وسائل الحياة من اجل سعادة البشرية ولعل اخطر ما يتهدد المجتمعات ويقوض الأمن تلك الفتن التي يثيرها البعض وكذلك الشائعات التي تحرك الاحقاد وتثير الضغائن وتحرك نوازع الشر في نفوس وتؤدي الي التنازع والشقاق بصورة تذهب بهيبة الأمة "ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" واقع الحياة يتطلب الالتزام بهذه الضوابط وعدم الخروج عليها ويجب علي كل انسان التأكد من أية أخبار أو معلومات تصل لديه حتي لاتنتشر الاخبار الكاذبة وتشيع بين الناس زوراً وبهتانا دون سند من الحقيقة وفي سورة الحجرات تعليمات واضحة "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي مافعلتم نادمين" 6 الحجرات. ولاشك أن قالة السوء لا تتوقف ألسنتهم عن بث الشائعات دون ادراك لما تحدثه في المجتمع مع آثار مدمرة تزعزع النفوس وتدمر الثقة بين أبناء المجتمع الواحد ولذلك نبه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم الي ضرورة حفظ اللسان وعندما سأله الصحابة عن خطورة اللسان واضرار الكلمات التي تصدر خلاله قال: وهل يكب الناس علي وجوههم الا حصائد السنتهم" ان ضبط النفس وحفظ اللسان وتحري الصدق في القول والاخبار والتعامل بين الناس بالحسني من أهم المقومات للخروج من الازمات والانطلاق نحو افاق النهضة وبناء الاجيال علي اساس من الاخلاق والقيم التي تعلي شأن الامة وتساهم في تقوية أواصر المحبة بين أبناء المجتمع. حقيقة ان الاسلام حذر في ايات صريحة من السخرية من أي انسان مهما يكن وضعه أو صفته "يا أيها الذين امنوا لايسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولانساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" 11 الحجرات ولعل ما نراه ماثلاً علي أرض الواقع بيننا يؤكد ان الكثيرين تجاهلوا هذه التعليمات التي شددت الايات الكريمة علي ضرورة الالتزام بها ولم يلتفتوا الي الاثار الخطيرة التي تنعكس علي حركة المجتمع نتيجة هذا السلوك. تري شخصا يسخر من اخر ويبذل أقصي جهد من أجل دحض رؤيته وأفكاره وربما يتزلق الي السخرية منه ومن افعاله مما يوسع هوة الخلافات بين عناصر الأمة. وللاسف الشديد اصاب الانفلات كثيرا من أبناء مصر واصبحت الحرب الكلامية هي السمة الغالبة لكل المتحاورين. شخص يطرح رؤية واخر ينبري لتفنيدها وربما تطور الأمور الي تشابك بالالسنة وأحيانا يمتد الي التشابك بالايدي. وصار الاختلاف والتنازع هو لغة التخاطب فيما بيننا بصورة تدعو للاسي والاستياء وتثير في نفس الوقت تساؤلا مهماً إلي "متي تستمر هذه الصورة فيما بيننا؟ نريد أن نري نهاية تعيد لأبناء مصر وحدتهم وتأخذ بايديهم نحو العمل وبناء الوطن علي أساس من القيم والقواعد التي تحفظ لكل انسان حقوقه دون ظلم أو اعتداء. في نفس الوقت لابد من تجاوز هذا المنعطف ودعم الثقة بين كل انسان وآخر والابتعاد عن سوء الظن بالاخرين في اطار الآية الكريمة.. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم" ان العودة الي الطريق المستقيم وحسن الظن بالاخرين والابتعاد عن الشحناء والبغضاء وتناول الاخرين بألسنة حداد لهو الطريق الأمثل للخروج من كل الازمات التي نواجهها. إن عدم ازدراء بعضنا ببعض والتعالي فوق الخلافات الشخصية يعيد الثقة في النفوس ويقطع الطريق أمام دعاة الفتنة وبث الفرقة بين الناس. ان اشد ما يحرص عليه الاسلام هو دعم الثقة بين الناس وضرورة احترام آدمية البشر وتقدير الكبير والاخذ بيد الشباب نحو الطريق المستقيم وقد كان الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يحرص اشد الحرص علي نزع فتيل الازمات التي تشعل الغضب في النفوس وتحرك مشاعر الغضب فهاهو صلي الله عليه وسلم حين رأي اختلافا قد وقع بين أبناء الانصار حين اندس بينهم احد قالة السوء واخذ يذكر هؤلاء الانصار بما كان بينهم قبل بزوغ فجر الاسلام وفي تلك الاثناء تحركت المشاعر وبدأ كل فريق من هؤلاء يذكر صفاته والانتصارات التي حققها ضد الاخرين وارتفعت الاصوات وهنا خرج عليهم الرسول الكريم وقال في لهجة غاضبة "اهذا يحدث بينكم وانا بين ظهرانيكم.. لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" تعليمات صريحة اطلقها الرسول تتضمن ضرورة الانتهاء من هذا الاسلوب الذي يدمر العلاقات واواصر المحبة بين الناس وضرورة الابتعاد عن الخلافات والتنازع لأنه طريق الفشل وانهيار القيم لايساهم في بناء نهضة او حضارة. ان الدين الحنيف يسعي للبناء علي اسس من المبادئ التي تجعل الفرد حريصا علي حقوق الاخرين قبل حقوقه وتلك طبيعة المسلم الحق ويجدر بي في ختام هذه السطور ان اضع امام الجميع صورة لرجل مسلم اسمه سعيد بن عامر الجمحي.. انه صحابي جليل كلفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بتولي شئون حمص.. التي كان يطلق عليها الكوفية الصغري لكثرة شكوي أهلها من الحكام وحين سألهم عمر بن الخطاب عن شكواهم من سعيد قالوا نشكوا منه في 4 أمور هي: انه لايخرج الينا حتي يتعالي النهار. ولا يجيب أحدا بليل. وهناك يوم في الشهر لايخرج الينا. رابعا: احيانا تعتريه نوبة من الاغماء. بعد الاستماع الي شكوي أهل حمص قال عمر لسعيد نريد اجابة عن هذه التساؤلات.. قال سعيد: اما بالنسبة لعدم الخروج حتي يظهر النهار جليا للجميع.. فانني ليس لدي خادم فأتولي اعداد طعامي ولذلك يستغرقني الوقت فأخرج متأخرا. وأما انني لا اجيب احدا بليل؟ فانني جعلت النهار لمن أتولي أمورهم والليل لربي سبحانه. واما حكاية فانني أغيب عنهم يوما في الشهر كذلك لإعداد ملابسي وشئوني الخاصة. أما الغيبوبة التي اتعرض لها فإن ذلك يرجع لأنني شاهدت خبيبا الانصاري حين مثلت به قريشا فكلما اتذكر هذا اليوم تعتريني الغيبوبة. بعد ان انتهي سعيد من تفنيد شكوي اهل حمص وتوضيح كل الحقائق شكره عمر بن الخطاب وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك ثم امر له بالف دينار لكي يتولي صرفها علي نفسه لكنه قام بتوزيعها علي الفقراء والمحتاجين. ما فعله عمر وسعيد يوضح مدي ثقل أمانة المسئولية التي يتحملها الانسان المسلم خاصة من يتولي أي شأن من شئونه الأمة.. فهل نري اقتداء بهؤلاء الرجال الذين كانوا نماذج في العمل الجاد والسعي بكل جهد من اجل وحدة الأمة والحفاظ علي المجتمع.. نسأل الله ان يهيء لابناء مصر من أمرهم رشدا وان يحفظ أرض الكنانة من كل سوء إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.