بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير وما أحيته في كثير من الأنظمة الرقابية والتي ظلت تعمل على الورق لفترات طويلة أخيرا بدأنا نسمع لها صوتا.. ولكن ما أثار انتباهي خصوصا بعدما علا صوت جهاز الكسب غير المشروع وقيامه بفحص إقرارات الذمة المالية لمسئولى الدولة ومنهم رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد نظيف دارت أسئلة بذهني ومنها: هل أن أحمد نظيف كان عند توليه الوزارة قام بتقديم إقرار ذمة مالية بأنه يملك مثلا 20 مليار دولار وبفحص ثروته بعد خروجه من الوزارة فوجدت أنها 18 مليار دولار وهذا مجرد تمثيل وليس اتهاما هل معنى ذلك أنه قد تصدق بملياري دولار على الوزارة؟ وهل لو أنه قد ضارب بكل ثروته في إحدى البورصات العالمية لأن البورصة المصرية في عهده كان يضحى فيها بالغلابة فقط والذين كانوا يضعون تحويشة عمرهم على سهم "سراب" وخسر كل ثروته هل الوزارة مطالبة عند خروجه منها أن ترد له ثروته التي ضاعت وتحاكم "سراب" الذي تسبب في ذلك؟ وقبل أن أجيب عن هذه الأسئلة أذهب إلى أمير المؤمنين وملهم الأمة ومحدثها.. والذي لم يفتأ عن محاسبة نفسه واتهامها بالتقصير عمر بن الخطاب.. لنرى كيف وضع لنا الكثير من القوانين والتشريعات التي يقوم عليها نظام الحساب الحقيقي يروي صاحب كتاب "فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب": "أن عمر بن الخطاب كانت له جولة يبحث فيها عن الأمراء لاستطلاع واكتشاف المواهب، واكتشاف الدسائس، ويحاكم الأمير والوالي أمام الناس في مجلس شورى مفتوح- فيقول: ما رأيكم فيه، وما رأيه فيكم.. "فلما وصل دور سعيد بن عامر والى عمر على مدينة حمص وهو جالس، قال: يا أهل حمص ما رأيكم في أميري عليكم سعيد بن عامر، قام الناطق الرسمي بلسانهم، قال: فيه كل خير إلا أربع خلال فيه.. قال عمر: الله المستعان! اللهم لا تخيب ظني فيه، ما هي الأربع؟ قال: أولها: لا يخرج إلينا يوماً في الأسبوع ولا نراه، قال: هذه واحدة، والثانية؟ قالوا: من بعد صلاة العشاء مهما طرقنا عليه لا يخرج إلينا، قال: هذه ثانية، والثالثة؟ قالوا: لا يخرج علينا حتى يرتفع النهار ضحى، قال: هذه ثالثة - يعني يتأخر في الدوام- والرابعة، قالوا: إذا جلس في الحكم وفي دار الإمارة يغمى عليه، قال: هذه الرابعة، قال عمر: أجب يا سعيد. فقال سعيد: ما أردت أن أظهر شيئا من عملي بعد أن كتمه الله، ولكن ما دام أنك قد سألتني يا أمير المؤمنين فاسمع. قال: الأولى: أما أني لا أخرج لهم يوماً في الأسبوع، فإن امرأتي مريضة، وليس لي خادم، فأنا أغسل ثيابي وثيابها يوما من الأسبوع، فدمعت عينا عمر وشكره..وأما أني لا أخرج عليهم حتى يتعالى النهار، فامرأتي كما قلت مريضة ولا خادم لي، فأنا أصنع الطعام وأفطر أنا وزوجتي، ثم أتوضأ وأخرج إليهم..وأما أني لا أخرج لهم من بعد العشاء ولا أفتح الباب، فقد جعلت النهار لهم والليل لربي..وأما قولهم إنه يغمى علي في المجلس، فإني حضرت قتل خبيب بن عدي في مكة وكنت مشركاً، وكان خبيب مسلما، فاجتمع المشركون حوله ليقتلوه، فرأيته يرفع على الخشبة وهو يقول:اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحداً..فكلما ذكرت ذاك الموقف وأني ما نصرته أغمي علي، وغشي علي، فبكى عمر وبكى الناس، وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني.. فسعيد بن عامر لم يسرق أموال الرعية ولم يتفضل عليه في شيء ولم يقصر في وظيفته التي كلف بأدائها ولم يملك القصور في وقت أغلب الشعب لا يكاد يجد القوت الضروري ويتقاتل كي يحصل على رغيف عيش غير آدمي أصلا ..ولم يعين تحت إمرته جيشا من المستشارين الذين يتقاضون الملايين ولايزالون موجودين إلى الآن في أغلب وزارات ومؤسسات الدولة على حد علمي مجاملة لهم على الرغم أنهم لم يقدموا شيئا يذكر ومع كل ذلك يبدأ عمر مرحلة أخرى من الحساب لوليه على حمص فيقول له عمر: نحاسبك على ما أعطيناك من عطاء وعلى ما عندك، أدخلني بيتك، فدخل بيته فوجد شملة وصحفة وعصا الشملة ثوب خشن يفرشه لضيوفه وينام عليه والصحفة إناء يأكل فيه ويتوطأ منه قال: أسألك بالله ما عندك من الدنيا إلا هذا، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أملك من الدنيا إلا هذا، فجلس في ركن البيت يبكي، وجلس عمر في ركنه الآخر يبكي، يقول عمر: غرتنا الدنيا إلا أنت يا سعيد. فقبل أن يحاسب المسئول هذا إن كان هناك حقا حساب عما أصبح يملكه عند تركه لمنصبه وما كان يملكه عند توليه المنصب فلابد النظر إلى ثروته وحسابه وتفعيل نظام من أين لك هذا. في السريع: إذا كان قطاع الاتصالات يحقق سنويا ما يزيد على 40 مليار جنيه بحسب تصريح هشام نبيه أستاذ تكنولوجيا المعلومات بجامعة القاهرة فكم يا ترى ثروة الرئيس مبارك الذي كان يسيطر ويهيمن على كل قطاعات الدولة.