ظهرت علينا وزارة المالية منذ أيام بمشروع موازنة الدولة للسنة المالية الجديدة 2015/2016. وكالعادة بزيادات ملحوظة في أرقام المصروفات والايرادات. مما يشير إلي افتراضين أولهما أن الحكومة مهتمة بالاستجابة لمطالب المصريين في الحصول علي خدمات أفضل. وثانيهما أنها جادة في التحصيل لحقوق الخزانة أينما تكون. إلا أن الواقع لا يعكس تلك الافتراضات.. فغالبا ما ينتهي العام المالي دون أن يشعر المواطن الفقير بتحسن في الخدمات يعادل حجم الانفاق الذي ورد بالميزانية. كما أن الزيادات الملحوظة في معدلات الاقتراض من جانب وزارة المالية خلال العام المالي الحالي مثلا باصدارها أذون خزانة بشكل أسبوعي بنحو 6 مليارات جنيه في المتوسط انما تؤكد علي وجود مشكلة في تحصيل الايرادات المستهدفة. الأمر الذي يعني أن ميزانية الدولة الحالية وغيرها من الميزانيات السابقة لم تكن تحقق الأهداف المرجوة من الانفاق كما لم تنجز مهامها في تحصيل الايرادات.. والسؤال لماذا؟ الاجابة بسيطة وقد توصلت لها من خلال متابعتي المستمرة لوزارة المالية كصحفية متخصصة. أن ميزانية الدولة في مصر تتسم بالتراكمية المتصاعدة. ولن أزيد علي ذلك وأقول إنها عشوائية.. فميزانية مصر كالاسعار العالمية ولا تؤثر فيها آليات العرض والطلب. فان ميزانية مصر أيضا لا يوقف تصاعد أرقامها المستمر في النفقات والايرادات الانخفاض في الاسعار العالمية للبترول ولا تتأثر بأي مستجدات بالزيادة أو النقصان. وللتقريب سأتطرق إلي بندين فقط بمشروع الموازنة الجديدة. البند الأول هو الأجور ففي ميزانية مصر عام 2000/2001 ورد فيها أن تكلفة أجور العاملين في الجهاز الحكومي وعددهم 6 ملايين موظف بالجهاز الإداري و600 ألف في الهيئات الاقتصادية بلغت 28 مليار جنيه. والغريب أن توقف عدد العاملين في الحكومة في كل الميزانيات اللاحقة وحتي المشروع الجديد الذي أعلن عن تفصيلاته منذ أيام عند نفس الرقم وهو 6 ملايين و600 ألف موظف.. بينما جميعنا يعلم أن الحكومة متوقفة تماما عن التعيينات منذ 1982. وفي المقابل هناك الآلاف من الموظفين يخرجون سنويا إلي المعاش. بينما ظل بند الأجور في زيادة منقطعة النظير سنويا حتي أنه بلغ في ميزانية عام 2013/2014 نحو 172 مليار جنيه وفي العام الحالي بلغ 207 مليارات وفي مشروع الموازنة للعام الجديد 2015/2016 يبلغ 228 مليار جنيه.. والسؤال كيف ترتفع الأجور 200 مليار جنيه في 15 سنة بينما موظفو الحكومة أغلبهم خرج علي المعاش. ولم يحل محلهم جديد فليس هناك إجابة الا أن بند الأجور الذي يعد من أكبر بنود الانفاق في الموازنة بنسبة 26% رقم أقرب إلي الوهم. بند آخر في مشروع الموازنة الجديدة هو بند الايرادات الضريبية والمقدر له 420 مليار جنيه. بينما مصلحة الضرائب لم تحقق إلا 230 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي 2014/2015. مما يعني أن هناك 200 مليار جنيه منتظرة من مصلحة الضرائب في العام الجديد والسؤال هل مصلحة الضرائب قادرة علي تحصيلها؟ حقاً أنا مع كل المقتنعين بأن الاقتصاد المصري قادر علي سداد تريليون جنيه ضرائب وليس 420 مليار جنيه. ولكن واقع الحال يؤكد أن الإدارة الضريبية في ظل القانون الحالي لا تستطيع تحصيل أكثر من 70 مليار جنيه فقط من المجتمع الضريبي. حيث تتولي الجهات السيادية ممثلة في قناة السويس وهيئة البترول والبنك المركزي سداد باقي الضرائب المستهدفة. ولعل أكبر دليل علي أن ميزانية مصر تراكمية في بند الايرادات الضريبية أن مشروع الموازنة الجديد تضمن زيادة 100 مليار جنيه عن الضرائب المستهدفة في العام الجاري 2014/2015 بينما هناك عجز في الحصيلة يعادل 100 مليار جنيه لم يتم تحصيلها عن قوانين صدرت خلال عام 2014 ولم يتم تطبيقها أو تحصيلها ومنها قانون القيمة المضافة وضريبة البورصة والتوزيعات. ومنها قانون الضريبة العقارية الذي حملت به الميزانية بنحو 3.5 مليار جنيه إلا أن مصلحة الضرائب لم تستطع تحصيل أكثر من 400 مليون جنيه فقط. الأمر الذي يعني أن بند الايرادات الضريبية التي يمثل البند الأكبر في ايرادات الموازنة أيضا غير واقعي. ومن هنا أطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعاد مشروع الموازنة إلي وزارة المالية بتأخير الموافقة علي الميزانية لمدة شهر واحد لحين التدقيق في بندي الأجور والضرائب لعل الله يكتب لنا الحل لمشكلة عجز الموازنة بسبب الزيادات غير المبررة في بنود الانفاق والحل لملف الايرادات الضريبية الذي في إمكانه حل كل مشاكل مصر بالاصلاح للادارة والنفوس.