فيلم "الرعب" المصري "عزازيل ابن الشيطان" "2015" للمخرج رضا الأحمدي عن سيناريو ل"عمرو علي" لا ينتمي من حيث الشكل والمضمون إلي نوعية "أفلام الرعب" الأمريكية. ولا إلي دراما التشويق والإثارة.. إنه لا يُولّد رعباً ولا تحول أحداثه دون تسرب الملل إلي المتفرج.. عمل ماسخ وبلا قوام. إنه نوع من الأفلام المصرية التي أطلق عليها أفلام "جنس ثالث" لا أرعبت "من رعب". ولا أثارت. ولا قدمت لدافع ثمن التذكرة مقابل الوقت المهدر في الفرجة. ولا المال المدفوع بهدف المتعة الفنية أو التسلية. العمل يشارك فيه مجموعة من الهواة المبتدئون. لم يفلح أي منهم في شد الانتباه إلي موهبة فنية ما علي مستوي التمثيل. والتأليف والإخراج.. باختصار عمل سينمائي لا بارد ولا ساخن. وإنما يدخل إلي منطقة وعرة بدائية وهابطة يعكس شكلاً من الثقافة المتدنية. الكفيلة بشد المجتمعات إلي الوراء.. فهو لا يناقش حكايات العفاريت والجن والخرافات والأرواح الهائمة بهدف التصدي للخرافة. وإنما من أجل تكريسها حتي لو إدّعي صُناع العمل بغير ذلك. وأتصور أن "المصادفة" بريئة من وجود أكثر من عمل يحمل اسم "عزازيل" الأول "2012" من تأليف أحمد أبوهيبة. وإخراج أمير شاكر وبطولة كمال أبورية وآخرون.. والثاني الذي شاهدته هذا الأسبوع في صالة شبه خالية بعنوان "عزازيل ابن الشيطان" والعنوان "عزازيل" في العملية مأخوذ من رواية الدكتور يوسف زيدان المنشورة عام 2008 وحققت رواجا ونجاحا نقديا وعالميا كبيرا. أنا لا أتحدث -قطعا- عن أي تأثير للرواية علي المستوي الموضوعي والفكري ولكني أشير فقط إلي "العنوان" الجذاب الذي لم يُستخدم في أي فيلم عربي قبل ظهور الرواية. فما بمالك باستخدامه في فيلمين؟ لا أحد بمقدوره أن يزعم أن عنواني هذين العملين جاء بالصدفة. ولا أحد يتجاسر من صُناع الفيلمين بالاقتراب من الرواية ذاتها لأنها تتجاوز مقدرتهم علي إعادة إنتاج أدب رفيع. وما يثير الانتباه فعلاً هو هذا الرواج الثقيل والمدمر لسيادة التفكير اللاعقلاني. وحضور الخرافات التي انتشرت وطغت علي أعمال اللهو الفنية ولا أقول الترفيه السينمائي الذي يكتسب مشروعيته من أثره الحميد الذي يسلي دون أن يشوه. ويحقق الهروب الآمن. وليس إلي عوالم الضياع والتخريف والهبوط إلي هوة الإنحراف حضاريا وفكريا. فيلم "عزازيل ابن الشيطان" مجرد إطار لظواهر تصيب صحة المجتمع وتجعله عليلاً فاقدا للأهلية عاجزا عن أن يتحرر من أثقاله الوراثية الشائعة وفي مقدمتها الإيمان بالخرافة و"تديينها" "من الدين". أي جعلها "سماوية". متكئين علي اجتزاء آيات من الكتاب المقدس.. ومثل هذا الرواج لأفكار من شأنها أن تشد أي مجتمع للوراء وتقف عثرة في طريق تقدمه لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة.. ومثل هذه الأعمال التي أراها من "النوع الثالث" ضعيفة وشائهة وتقليد غير جاذب لنوع جاذب من الإنتاج الأمريكي وصل إلي ذروة التأثير الجماهيري.. منذ أن بدأ اختراع الغرب للصور المتحركة. وقد ساعد التطور التكنولوجي والتقدم الهائل في مستويات التعبير المرئي عن الخيال الإنساني مهما بلغ من الجموح. وكذلك شكلت الشياطين والقوي الشريرة القادمة من المجهول. والقوي المتحولة للحيوانات والأشباح. والموميات الفرعونية التي شكلت لوحدها فرعاً من نوعية أفلام الرعب باعتبار أن "الفراعنة" تعتبر في الذهنية المنتجة للرعب مصدرًا من مصادر الشرور الملعونة. ولكن لم تفلح السينما المصرية حتي الآن في صنع أفلام "رعب" تثير الرعب. ولم يفلح صُناعها علي اختلاف أجيالهم في انتاج نسخة مصرية من هذه النوعية.. وظل فيلم الرعب الأمريكي "نموذجا" دون القدرة علي محاكاته لأن هذا يقتضي مستوي من التطور الفني والتقني بأسلوب استخدام المؤثرات الخاصة. وقبل ذلك في القدرة علي صناعة الخوف. وتوظيف هذا العنصر الغريزي لطرح قضايا الواقع وهموم الإنسان وصراعاته الوجودية من أجل البقاء والتفوق وسيادة الكوكب.. ثقافة الخوف تختلف أصولها هنا عن أصولها في الغرب. وفيلم "عزازيل ابن الشيطان" يتكيء علي نفس عناصر الفيلم التجاري الاستهلاكي ولكن بأدوات هزيلة وفريق عمل تنقصه مقومات الإبداع وشروط صناعة الرعب المرئي. نساء الفيلم قبيحات. ليس علي مستوي الإبداع وشروط صناعة الرعب المرئي "خِلقة ربنا" وإنما علي أسلوب إخراجهن لأنفسهن واستعراضهن لمقومات لا تغري أحدًا ولا تقنع صاحب ذوق سليم وكذلك علي مستوي الأداء التمثيلي واللغة.. أو علي مستوي التقليد للأفلام الأمريكية. أما علي مستوي الخدع والإيحاء بالخوف ومشاهد خروج الشيطان أو مظاهر تلبسه لإحدي شخصيات الفيلم فكلها محاولات ساذجة وخدع مضروبة تجاوزها ذكاء المتفرج وخبرته في متابعة الأفلام. هنا تتكرر مشاهد الطرب ويظهر المطرب الرِخم والمشاهد المطولة للفرح الشعبي النمطي في الشارع وكذلك المشاهد المصوّرة لمشاهد حفل "الهالوين" الأمريكية ثم قصة الحب التي جمعت بين المهاجرة المصرية "ربي" التي عادت والشاب العاشق المصري ولقائهما بعد طول فراق. حكاية رومانسية تدخل ضمن إعادة انتاج ماسخ وضعيف التأثير جداً من حيث دفعه علي المشاهد.. أضف مشاهد تدخين الحشيش والحوار المبتذل عن "المزز" وراذحتهن وزجاجات البيرة المتراصة في البيت المسكون.. إلي جانب شخصيات الرجال "المسكونة" أيضا بالتخلف والخرافة والفن السوقي والأداء الباهت. وخطورة "أفلام الرعب" رغم ضعفها الشديد جدًا وبرغم شُح الإنتاج وعدم جماهيريته. خطورتها تعود إلي خلطها بالدين وإصرار صناعها علي إقامة هذا الجسر الخرافي إلي غياهب التخلف والمعتقدات الخاطئة. وتأصيل هذه المعتقدات في ذهنية جمهور يعاني من الأمية. ويقدس ما لايصح تقديسه من أشكال الخرافة. حاولت بعض الأفلام المصرية الفاشلة جماهيريًا وفنيًا أن تتصدي للعلم واتهزم إنجازاته بالخرافة وباللعب الهزلي مع الشيطان. وبعضها حاول أن يستعين بالخيال العلمي ولكنه في نهاية المطاف ينتصر للثوابت من الأفكار الشائعة حتي لا تصاب البضاعة بالبوار.. ويفشل الفيلم. ومع ذلك فشل. السينما المصرية لم تنتج طوال تاريخها إلا عددًا محدودًا جدًا من هذه النوعية "الرعب" ولم يتبق من هذه الأفلام في الوجدان الجمعي لجماهير السينما إلا أفلام من نوعية "التعويذة" 1987 للمخرج محمد شبل الذي فشل فيلمه "أنياب" من نفس النوعية. ولكن مع توظيفها لظروف وظواهر الواقع الاجتماعي في مرحلة الانفتاح. وفيلم "الإنس والجن" لمحمد راضي "1984" ومن عنوانه يمكن تصور المادة الموضوعية التي اعتمد عليها والتي عالجها بالسطحية المتوقعة وأيضا فيلم "استغاثة من العالم الآخر". ما يميز الأفلام المسخ أو أفلام "النوع الثالث" : القُبح وإنتفاء سمة الرُقي. والخلط الجاهل بين الأمور بدون تمييز. إنه فن "مخنث" أو بالأحري مشوّه.. فالفيلم لم يفزعنا ولم يحقق لنا البهجة ولم يترك لنا مساحة من التفاؤل بخصوص كل هذه الوجوه الجديدة التي شاركت في صنعه. وأعادت نفس الشكل القديم بأسلوب أكثر تخلفاً وجمالياً وموضوعياً وفنياً.