عرض "الشارع الاعظم" الذي تم تقديمه علي مسرح الجمهورية من الاحداث الفنية الهامة ليس لأنه اعلان عن ميلاد فرقة جديدة فقط ولكن لأنه بداية جادة لاستلهام تراثنا الحضاري والتاريخي في عمل استعراضي ضخم. الفرقة. تأسست عام 2009 علي يد وليد عوني مصمم ومخرج العرض والذي تعرفنا عليه من خلال ابداعاته لفرقة الرقص المسرحي الحديث التابعة لدار الاوبرا أما هذه الفرقة فيرعاها صندوق التنمية الثقافية.. تتكون الفرقة من 40 عضواً منهم 8 راقصات والباقي راقصون رجال وقد اطلق عليها اسم " فرسان الشرق" ولا أدري لماذا جاء الاسم عاماً ولم يتضمن ما يدل علي الهوية المصرية ولماذا لا يكون هدفها استلهام التراث المصري بما فيه من تنوع حضاري يختلف من مكان إلي آخر وهذا ما سبق ان نادينا به عندما شاهدنا عرض "نيران الاناضول" الذي يستلهم فقط تراث بلده تركيا.. العرض يدور حول شارع المعز لدين الله الفاطمي ولهذا جاءت تسميته "الشارع الاعظم" وقدم فيه وليد عوني رؤية من خلال تسلسل تاريخي طبقاً لرواية "المقريزي" وجاءت الاختيارات موفقة حيث حكي لنا تاريخ هذا الشارع من خلال أهم الشخصيات التي مرت به والمدارس التي انشئت فيه والمساجد والقصور والتكايا وأيضاً تناول بعض الاحداث التي ارتبطت به.. وهذه المرة الاولي التي يتم تناول هذا الشارع في عمل فني استعراضي ويعد هذا من ايجابيات الفرقة لانه من الشوارع التاريخية الذي تتكدس فيها الآثار الاسلامية الهامة المتنوعة ومكان شاهداً علي العديد من الاحداث في فترات متعاقبة وطويلة في التاريخ المصري. لوحات راقصة العمل عبارة عن لوحات راقصة الخط الدرامي الذي يربط بينهما رواية الراوي "المقريزي" والذي تقمص دوره بنجاح طارق راغب والذي ايضاً قام بالصياغة الدرامية للمختارات التاريخية من كتاب المقريزي. العرض من الناحية الفنية أكثر بساطة واقل عمقاً من عروض وليد عوني في فرقة "الرقص المسرحي" ولكن هنا الكثرة العددية في الفرقة أعطته فرصة لبيان تفوقه وتميزه في مجال تشكيل المجموعات علي المسرح وتحريكها بشكل بديع ومدروس وتعبيري فأعطي ثراء للعرض.. ورغم المباشرة في التناول إلا ان هناك مشاهد جاءت معبرة بشكل رمزي ومتميز من ابرزها مشهد "شجرة الدر" التي تم تقديمها من خلال دقائق معدودة ولكنها جاءت عميقة وخاصة عندما عبر عنها بمجموعة من البنات يرقصن علي المسرح بالقباقيب في واحد من أجمل مشاهد العرض من حيث أسلوب التناول الذي اعتمد علي الاختزال.. العرض تناول العديد من الشخصيات منهم المعز لدين الله وست الملك وطومان باي وابن طولون وقلاوون وقطز والظاهر بيبرس وقنصوة الغوري ونجم الدين أيوب. العرض تناول كل هذه الشخصيات برقصات متنوعة وثرية فنجد هناك أكثر من حركة في وقت واحد مما جعل الملل لايتسرب إلي المشاهد رغم طول العرض ولكن اداء بعض الراقصين لم يكن علي المستوي المطلوب خاصة عند مقارنتهم بفرقة الرقص الحديث واعتقد ان هذا يعود لعدم خبرتهم فهذا هو العرض الاول للفرقة أما الازياء واضاءة ياسر شعلان فكانت من مميزات العرض.. إذا كان العرض علي المستوي الحركي جاء معبراً وثرياً إلا ان موسيقاه لم تأت مواكبة للحدث الدرامي ولم تساعد علي تعميقه حيث ان عوني كعادته في معظم اعماله اعتمد علي مختارات موسيقية من بلاد مختلفة مثل "تشاد و موريتانيا وكردستان وإيران وتركيا وسوريا".. أما موسيقي الافتتاحية والختام مهداة من عمر خيرت.. هذا أضعف العرض وجعلنا نشعر اننا أمام كولاج- "قص ولزق" - موسيقي في حين ان العرض يتحدث عن مكان واحد في تتابع زمني وهذه الوحدة المكانية لم تعطيها لنا هذه الموسيقي بل اضعفت العمل. الذي كان يحتاج إلي مؤلف موسيقي متمكن وله رؤية كاملة وقد يستعين بألحان من بعض المناطق التي اتي بها حكام مصر ولكن من خلال استلهام واع وخطة درامية يكون لها انعكاس ايجابي علي العمل- وعامة إذا كانت مصر حكمت من خلال حكام ليسوا من ابنائها وخاصة في الفترة التي يتناولها العرض إلا ان التاريخ أكد ان مصر تؤثر اكثر مما تتأثر ويدخل الوافدون في نسيجها ولهذا كان من أجمل المشاهد الموسيقية التي تعاطف معها الجمهور مشهد الكعبة ورقصة المولوية والدراويش فهي قريبة للمصريين تمثل روح الموسيقي المعبرة المتواصلة مع التراث المصري. أما الفواصل التي قامت علي الايقاع فرغم مهارة العازفين إلا انها أيضاً لم تكن موظفة لخدمة الدراما وجاءت طويلة فكانت هي الملل الوحيد في هذا العرض.. الفكرة في حد ذاتها جيدة ان تكون الفواصل بإيقاع ولكن هذا أيضاً يجب أن يكون عن طريق مؤلف موسيقي واحد للعمل يتمكن من توظيف هذا. بشكل عام العمل بداية طيبة لهذه الفرقة التي نتمني ان تغوص في جذور التراث المصري.