النجاح المبهر للاسلاميين في المشهد السياسي التركي أصبح نموذجاً عصريا وتجربة تستحق الدراسة المتأنية من الليبراليين المصريين والاسلاميين علي السواء. تركيا كانت مسرحاً لصراع مرير بين الاسلمة والعلمنة منذ سقوط الخلافة الاسلامية في 3 مارس "آزار" 1924 علي يد زعيم جمعية الاتحاد والترقي كمال اتاتورك واعلان دولته بايديولوجية علمانية. وقد جاءت ظاهرة الاحياء الاسلامي بتركيا في اطار مغاير للنظريات المادية التي تفترض وتدعو إلي مزيد من التحديث والعلمنة وفي اتجاه معاكس للتعاليم والمرتكزات الدينية. وقد استطاعت القوي الاجتماعية والقيادات والاتجاهات الفكرية ان تتخذ من الاسلام قاعدة لمعارضة سياسات الدولة لحماية هويتها ووجودها من الاستئصال وان تنتقل من الهامش إلي القلب عبر بناء نخب وكفاءات من الاسلاميين تداولت المواقع لتحل محل النخب العلمانية. وقد تحول المشهد السياسي التركي من حصار يستهدف الاسلام ومحاولة استئصاله أو تحجيمه في بداية القرن الماضي إلي محاصرة للعلمانية "الكمالية" مطلع القرن الحادي والعشرين. واشرقت تركيا بثوب اسلامي معاصر يدعم الجوهر والمبدأ ولا يهتم بالصور والقشور. وقدم حزب العدالة والتنمية ممارسات سياسية راقية ورائعة بمرجعيات وتوجهات اسلامية معاصرة. وكان آخرها فوزه بزعامة رجب طيب أردوغان بثقة الشعب التركي لتشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات حضارية ونزيهة شارك فيها وتنافس عدة احزاب علمانية ومن قبله حزب الرفاة الاسلامي بزعاة نجم الدين أربكان. وقد سجلت الدبلوماسية التركية مواقف مشرفة في مساندة قضايا الدول العربية والاسلامية وفي دعم حركات التحول الديمقراطي السلمي.. انها تجربة رائعة ورائدة قدمت دروساً تستحق الدراسة والاهتمام.. الحديث متصل.