كثر الكلام في الفترة الماضية عن ضرورة البدء في الانطلاقة المنشودة لوطننا الحبيب وبالفعل بدأنا في مشاريع قومية طموحة في الفترة الماضية إلا أنه لا ينبغي أن نتجاهل الأسس القويمة لهذه الانطلاقة المنشودة والتي تتمثل من وجهة نظري في الاهتمام بالعلم والبحث العلمي ووضعهما في مقدمة الأولويات في الفترة القادمة. وللعلمِ والعلماء مكانةى عظيمةى في الإسلامِ فقد بدأ اللهُ تعالي رسالَتَه للنبيِّ صلي الله عليه وسلم ب "اقرأ بسم ربك الذي خلق" ومدحَ اللهُ تعالي في كتابه العلمَ في مواضعَ كثيرةي منها: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" وهنا قدَّمَ العلمَ علي كلمةِ التوحيدِ. لأنك لا تستطيع معرفتَها أو معرفة مقتضاها إلا من خلال العلمِ. ولقد مدحَ اللهُ العلماءَ في كتابه فقال تعالي: "إنما يخشي الله من عباده العلماء". وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "العلماءُ ورثةُ الأنبياء". هذا لما لهم من دور كبيري في إنارةِ العقولِ وإزالةِ الجهلِ عنها. وارتباطِهم ببناء الحضارة وتقدمِ الأمم. وقال صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَي الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ولكن وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظّي وَافِري" هذه منزلةُ العلمِ والعلماءِ في الشريعةِ الإسلاميةِ وفي الدينِ الإسلامي. قال شاعرنا: العلمُ يرفعُ بيوتًا لا أساسَ لها والجهلُ يهدِمُ بيوتَ العزِّ والكرمِ ولقد كان العلمُ في حياة الأوائلِ من سلفنا الصالحِ يمثل اللّبنةَ الأساسَ في حياتهم. فقد كانوا يحثُّون أبناءَهم منذ نعومةِ أظفارِهم علي طلبِ العلمِ ويُجلِسونهم منذ الصغرِ في حلقات العلمِ. والتي كانت لا يخلو منها مسجدى أو قريةى. لقد كانوا يتركون لذةَ النومِ ويهجرون المضاجعَ في وقت يهجَعُ فيه الناسُ. يقول أبو الدرداء: "الناسُ عالمى ومتعلمى. ولا خيرَ فيما بينَ ذلك". وقال الحسن البصري رحمه الله: "لأن يعلمَ الرجلُ بابًا من العلمِ فيعبدُ به ربَّه لهو خيرى له من أن لو كانت الدنيا من أولِها إلي آخرِها له فوضعها في الآخرة" ما أجملُ حياةِ العلمِ والعلماءِ. وما أجلُّها منزلةً عند الله تعالي وعند عبده. فخلال الفترة الذهبيَّة من تاريخ الإسلام حتَّي القرن الثَّامن عشر. أُنشِئَت المدارس في مُختلِف البلاد الإسلاميَّة شرقًا وغربًا. وكثرت المكتبات. وامتلأَتْ بالمؤلَّفات في مختلِف العلوم. حتَّي إنَّ مكتبة خلفاء الأندلس. اشتملَتْ وحدها علي سِتِّمائة ألف مجلَّد. وقد كان بالأندلس سبعون مكتبة عامَّة إلي جانبِ الكثير والكثير مِن المكتبات الخاصَّة. وقد اجتذبت هذه المكتباتُ الباحثين عن المعرفة من مَنابع العالَم المختلِفة ينهلون من علوم العرب ومؤلَّفاتهم.