أنا سيدة في منتصف الأربعينيات.. مطلقة وأم لولدين في سن الشباب وما أعاني منه اليوم وأتحدث إليك بشأنه ما هو إلا نتيجة لتراكمات عديدة تعود إلي أيام صباي الأولي فعلي الرغم انني أصغر شقيقاتي الثلاث لم أجد أي تدليل من والديّ.. فأبي رحمه الله كان رجلا جادا وحاسما لا يعرف المزاح أو الابتسام.. وأمي التي تجاوزت الآن الثمانين من عمرها لا تقل عنه في الشدة والحسم لذا نشأت وشقيقاتي نشأة منغلقة لا نسمع فيها سوي كلمتين: ممنوع ومرفوض في حين كانت زميلاتنا بالمدرسة يعشن حياة عفوية سلسة دون أن يسلبهم ذلك أي شيء من الأدب أو الاحترام.. وفي وسط هذا الجو الصارم الذي يولد الانفجار أخذت أتطلع وبشغف كبير إلي اليوم الذي انتقل فيه من بيت أبي إلي بيت الزوجية متصورة أن في الزواج السعادة الحقيقية والاستقلالية لذلك لم أتردد وقبلت بأول شاب يتقدم.. يوافقني في المستوي الدراسي "دبلوم تجاري" وعائدا لتوه من الخارج عازما علي البدء في أي مشروع. تم الزواج وما تصورته سينشلني من حالة الجفاء التي عشتها في بيت أبي وجدته قاسيا.. كسولا لا يحب العمل.. ولا يعرف معني المسئولية وبعد شهور قليلة عدت إلي بيت أبي وأنا حامل تحت وطأة المشاجرات العنيفة التي انتهت بالطلاق. وفي الحقيقة في البداية سعت أمي لاحتوائي والتخفيف عني خاصة بعد أن وضعت المولود وصرت بحاجة للرعاية والاهتمام لكن بمرور الوقت شعرت بأنه غير مرحب بوجودي لذا قررت الزواج من جديد هربا من هذا الجو الخانق وبحثا عمن يعوض ولدي عن عطف أبيه الذي نسي تماما أن له إبنا من صلبه ويحمل اسمه.. وما عانيته من الزوج الأول قابلته مع الزوج الثاني إلا أنني لم أتعجل الانفصال منه خاصة بعد أن رزقني الله منه بولد وظننت أن بقدومه ستتبدل معاملته القاسية لي ولولدي الكبير لكنه مارس كل ألوان العنف ضده ليمضي كل منا إلي حال سبيله. هكذا صرت مسئولة بمفردي عن تربية الولدين بعد أن تنكر لهما أبوهما ولولا بيت أبي ما وجدت مكانا يؤيني معهما.. ولولا خروجي للعمل كإدارية بأحد الأندية ما استطعت تلبية احتياجاتهما من مأكل وملبس ومصاريف دراسة وأستطيع أن أقول لك وبمنتهي الصراحة انني فشلت في تحقيق أحلامي فيهما.. فإبني الكبير اكتفي بالشهادة الاعدادية ثم خرج للعمل الحر أما شقيقه والذي يصغره بسبع سنوات فقد بات سر عذابي الحقيقي الآن.. فأنا لا أدري كيف أتعامل معه وهل أسير معه في الطريق الصحيح أم سأضاعف من أزمته؟! إن ولدي الصغير يُحملني دائما المسئولية عما هو فيه من فشل وإحباط بسبب عنف أخيه الكبير غير الشقيق معه ويرفض تماما استكمال دراسته لأن مجموعه في الإعدادية لم يؤهله إلا لمدارس التدريب المهني.. الأخطر من ذلك انه ظهرت عليه أعراض مرض السرقة وبفضل الله ثم بلجوئي به للطبيب النفسي تم احتواء هذه المشكلة وتعافي من السرقة تماما لكن المشكلة التي تؤرقني ولم يقدم الطب النفسي علاجا لها.. هي أنه كلما رفضت له طلبا يخرج من البيت غاضبا ويغيب طويلا ومن خوفي عليه صرت أوافق علي كل ما يريده.. وأعطيه أي مبلغ يطلبه حتي لا يغادر البيت ويلتف حوله أصدقاء السوء. لقد بات ولدي الأصغر يستنزفني ماديا ولم أعد قادرة علي تلبية كل طلباته.. مثلما عجزت عن إقناعه بمواصلة دراسته.. أخشي عليه من نفسه في وقت استنفدت كل الحيل من أجل التقارب بينه وبين شقيقه الأكبر أو في التواصل مع أهل أبيه ليكونوا بجواره لكن الجميع ينسي أن لهم "ابن شقيق" له حق عليهم في الرعاية والاهتمام.. فهل أخطأت حينما استغرقت في تلبية طلباته مقابل ألا يغادر البيت..؟.. أنتظر الاجابة! م.ع بني سويف المحررة: أري أن كل حياتك هروبا في هروب.. فكان تطلعك الشديد للزواج بحثا عن هواء جديد لم تجديه في بيت أبيك الذي لا تتردد فيه كلمات الحب وإن كانت تترجم في سلوك ومواقف دون الحاجة لأي كلام ولعلك استشعرت ذلك بعد طلاقك السريع من الزوج الأول فلم تجدي سوي بيت أبيك لتعودي إليه ولم تجدي سوي أمك التي تقوم علي رعايتك بعد الولادة رغم كل ما ذكرتيه عنها وعن أبيك وأسلوبهما الجاد.. والجاف في التعامل معك وشقيقاتك البنات. وبنفس الحساسية والمشاعر السلبية تجاه أسرتك فكرت في الهروب الثاني وتزوجت بمن ظننت أنه سيكون أحن وأرق عليك وعلي ابنك من والديك لكنك اكتشفت أن نار أبيك وجفائه أرحم بكثير من صلف هذا الرجل الذي قادك إلي هروب ثالث بمعاملته غير الرحيمة لك ولابنك الكبير.. ثم بتخليه عن ولده الصغير.. وتسألين الآن هل أخطأت حين فرضت حصارا عليه حتي لا يهرب من البيت لأتفه الأسباب أو أعظمها؟!.. والمسألة ليست خطأ وصواب وإنما اجتهاد من جانبك لحماية ابنك من نفسه في ظل غياب والده وأعمامه عنه.. وأري ضرورة فك هذا الحصار عن ابنك الذي صار رجلا والذي عليه أن يتحمل مسئولية أفعاله وحده. لا أقول لك لا تعطيه نقودا.. إنما اجعليها حافزا له وتشجيعا في حال التزامه بمواصلة دراسته وبناء مستقبله.. وفي حال تمرده توقفي تماما عن الإنفاق عليه حتي يفيق لنفسه ويعلم حجم ما يقترفه في حقك وهو الذي عليه أن يتحمل مسئوليتك لا أن يعيش عالة عليك. وإن كانت من كلمة أخيرة أيتها الحائرة.. ابذلي مزيدا من الجهد في التقريب بين ولديك حتي لا تقعي فيما وقع فيه أبواك حينما غابت كلمات الحب عن البيت التي لا أنكرها أبدا كضرورة في التواصل فيما بيننا لكن ليس بالكلمات وحدها تتحقق السعادة ونشعر بالأمان.