الإنسان موقف.. والحياة يتعذر استمرارها بدون النقيضين معاً الأبيض والأسود وأنا أعاهدك بأن قلبي وقلمي سيقفان دائماً إلي جانبك حتي نعبر معاً جسر الأمل.. هذه الافتتاحية كانت مقدمة باب "قلبي يسأل" يومياً علي صفحات المساء عدا يوم الجمعة تقدمه السيدة أمال عبدالوهاب الصحفية العملاقة بالمساء.. وأنا في هذا الوقت رسام صغير في بداية عملي الصحفي وكنت أرسم يومياً قصة قارئ أو قارئة من قرَّاء المساء مختلفة عن الأخري. في هذه الفترة كنت أتابع عناوينها ومع سردها للمشكلة ومع نصائحها للفتاة صاحبة القصة وكنت أستمتع بطرح الرسالة وطريقة الرد كانت تفرز عندي أفكار لوحات فنية وخطوطاً مختلفة مع كل عدد.. وكانت المشاكل الخاصة بالقراء حقيقية والرسائل يومياً بشكل ملحوظ غير الردود التليفونية علي القراء لتحديد موعد أو لعرض قصتهم وفي انتظار الرد والإفادة والنصح.. بالإضافة إلي الزيارات اليومية للشباب والفتيات من جميع الأعمار في الانتظار للمقابلة وفي لهفة للحصول علي رد أو نشر قصتهم بالجريدة.. كانت في نصائحها للقراء من الشباب والفتيات تستعين في إرشادها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وتراعي الله مع صاحبة الرسالة وكأنها ابنتها. في كثير من الأحيان كنت أجدها تعنفها في الرد بالصحيفة أو تليفونياً أو شخصياً عندما تجدها مخطئة أو مصرة علي الاستمرار في الخطأ.. هذه المهام الاجتماعية والإنسانية والنفسية كانت تقوم بها هذه السيدة في الوقت الذي لا يوجد به "النت ولا فيس بوك ولا تويتر ولا الموبايلات ورسائل المسج ولا الإيميل" وكانت أكبر وسيلة للاتصال التليفون الأرضي أو الفاكس والبريد الورقي. كانت أمال عبدالوهاب رحمة الله عليها تعشق عملها اليومي حتي صار هذا الباب "قلبي يسأل" صفحة كاملة تقدمه يومياً.. وكان نصيبي أن أترجم القصص المنشورة به إلي صور ورسومات ولوحات فنية تعبر عن كل رواية قارئ.. أنا مدين لها بشهرتي بالرسم. تعلمت من هذه السيدة الفاضلة الإخلاص في العمل والتفاني وهذا كان يمثل جهداً كبيراً عليها وكانت وحدها رغم هذا النجاح ولم أرها يوماً تشتكي من كثرة العمل أو من ضغط القراء.. وأنا كانت سعادتي بالغة لوجود رسوماتي وريشتي يومياً وسط حروفها ونلت كثيراً من النجومية للوحاتي اليومية علي صفحاتي بجريدة المساء فترة الثمانينيات الجريدة المسائية الوحيدة في مصر والعالم العربي في هذا الوقت. وقد كانت نموذجاً في العطاء والبحث عن إتقان العمل وتجويده.. إنها بحق قدوة لشباب هذه الأيام.. ليتنا نري حركة دائبة في كل المجالات حتي يكونوا خير خلف لخير سلف.. التواصل بين الأجيال من المهام الأساسية في الحياة.