عندما تولي الأستاذ سمير رجب رئاسة تحرير جريدة "المساء" عام 1981 أراد أن يحدث بها طفرة في التوزيع بعد أن كان عدد نسخها الموزعة لايتعدي 6 آلاف نسخة يوميا.. فأدخل عليها أبوابا جديدة سياسية واقتصادية وخدمية.. بل جعلها صحيفة "مستفزة" تستنفر همم المسئولين وتدفعهم إلي الرد علي الاقتراحات التي تعرضها والاستفزازات التي تثيرها فراجت بالفعل وارتفع توزيعها اضعافا مضاعفة. وعندما توليت منصب مدير تحرير الصحيفة عام 1982 فوجئت بالأستاذ سمير رجب يختار للأبواب الجديدة المقترحة للرد علي رسائل القراء. فاختار الزميلة الصحفية المتألقة "ميرفت مسعد" للرد علي أحد الأبواب تحت عنوان "مع تحياتي للمساء" ثم اختار الزميلة الراحلة آمال عبدالوهاب للرد علي الرسائل العاطفية تحت عنوان "قلبي يسأل". لقيت آمال عبدالوهاب شعبية جارفة لدي القراء بردودها التي كانت تتسم بالخبرة والحنكة والغوص في أعماق أصحابها تستنبط منهم عمق المشكلة فيأتي الرد من جانبها معينا لصاحبها أو صاحبتها لسلوك الدرب الصحيح والنصيحة المخلصة التي تخرج به من المأزق الذي يعانيه. رأيت بعيني آلاف الرسائل التي كانت تنهال علي آمال عبدالوهاب يوميا من شتي أنحاء الجمهورية فكانت تجلس الي مكتبها حتي ساعات متأخرة وتفضها خطابا خطابا.. ولم يكن يثنيها عن ذلك إلا التليفونات التي كانت تنهال عليها من كل المحافظات فتضطر للرد عليهم.. وخصصت أياما في الأسبوع لاستقبال أصحاب المشكلات لمحادثتها وجها لوجه لحل مشاكلهم. وباعتباري مديرا لتحرير المساء في ثمانينيات القرن الماضي كانت تصلها بعض المشكلات الشائكة فتأتي بهذه الخطابات وتعرضها علي ونتناقش فيها حتي نصل إلي الحل المعقول فترد علي صاحب أو صاحبة المشكلة بما اتفقنا عليه.. بل إنها كانت أحيانا ترسل إليَّ بعض أصحاب تلك المشكلات فأسمع منهم وأسألهم عن الرد الذي نصحت به آمال فأوافقها علي ما قالته. كنت في زيارة لمدينة "هامبورج" الألمانية وكان معي الزميل الأستاذ مؤمن الهباء رئيس تحرير المساء السابق.. وكان وقتها نائبا لرئيس التحرير وعندما حل موعد الغداء ذهبنا الي محل "برجر كنج" ووقفنا في الطابور وكنا نتكلم مع بعضنا البعض باللغة العربية ففوجئنا بشخص مصري يسألنا : هل أنتم هنا في عمل أم في سياحة؟ فقلنا له : بل نحن في سياحة.. وعرفناه بأنفسنا كمدير تحرير للمساء ونائب لرئيس تحريرها فإذا به يهتف : هل تعملون مع آمال عبدالوهاب؟! قلنا : نعم.. قال إنني أعشق هذه الصحيفة من خلال قراءتي للباب الذي تحرره وأنا معجب بردودها علي القراء. ومن ذلك اليوم وحتي الآن عرفنا هذا الرجل الذي كان يعمل مديرا للمحل وهو الأخ الأستاذ الأمير صالح الذي استقال من عمله بعد ذلك وفتح شركة لاستيراد الأدوية إلي مصر.. ومازلنا علي علاقة قوية به. نسيت أن أقول إن هذا المدير رد الينا ثمن الطعام الذي دفعناه وأصر علي أن يكون الغداء علي حسابه الخاص. من اعجاب القراء بالسيدة الراحلة آمال عبدالوهاب وكانت أرملة أن جاء عمدة إحدي القري بمحافظة المنوفية وكان رجلا متعلما وقابل الزميل الراحل محمد عبدالدايم وعرض عليه أن يتوسط له لديها فهو يريد أن يتزوجها.. وجاءني عبدالدايم ليعرض الأمر علي فقلت له اعتذر للرجل فهي لديها أبناء وحريصة علي تربيتهم. رحم الله آمال عبدالوهاب التي وهبت حياتها قبل أن يقعدها المرض لسنوات طويلة لصحيفة "المساء" ووضعت حياتها في خدمتها!! وكانت أحد الأسباب في انتشارها. كانت صحفية بالفطرة.. وداعا أيتها الزميلة العزيزة.. ونسأل الله لأسرتك ولنجلك الزميل مصطفي عثمان ولأسرة المساء الصبر "إنا لله وإنا اليه راجعون".