لم تغادر دنيانا أمس الأول فقط.. بل غادرتها يوم أن فقدت ابنتها الوحيدة علي ثلاثة أشقاء.. كانت طالبة جامعية يوم اختارها الله بجوارها تطل علينا في صالة التحرير في مبني المؤسسة القديم بشارع زكريا أحمد بالقاهرة.. تأتي لتجاور والدتها في مكتبها وتبقي في انتظارها حتي تفرغ من مقابلات القراء ومن كتابة بابها اليومي الناجح "قلبي يسأل" الذي تميز عن أقرانه بالصحف الأخري بشهادة القاصي والداني. كانت الاستاذة الراحلة "آمال عبدالوهاب" مرهفة الحس.. تنزعج بشدة لو رأت من تحبهم مشغولين عنها وتبدأ في مساءلة نفسها تُري هل صدر مني ما أفسد الود بيننا؟! وعلي الفور تجدها أمامك تسألك دون مواربة عن أسباب صمتك علي غير العادة وعبوس وجهك!!.. هكذا كان عهدها مع جميع الزملاء المصارحة والمصالحة وفي ثوان معدودة يتبدد أي التباس ويسود الصفاء وكأن شيئاً لم يحدث! أتذكر سعادتي الغامرة حين شرفت بزيارتها في بيتي لتقدم التهنئة لي حينما صرت أماً ورزقت بأول مولودة حرصت علي الحضور رحمها الله ولم يشق عليها طول المسافة بين بيتي والجريدة!! وظل ديدنها السؤال عن كل الزميلات.. وبناتهن وكأنها تتلمس روح ابنتها الغالية "رضوي" فيهن. وعُرِفت الاستاذة الراحلة بقدرتها علي قراءة الشخصية التي امامها وفي تحديد نقاط ضعفها وقوتها.. فكانت تلقن دروساً في الأدب واحترام الذات للمراهقين والشباب حينما يشطح بهم الخيال ويذهبون في حياتهم إلي مناطق لا يرضي الله عنها ولا رسوله!! مضت استاذتي الراحلة تؤدي رسالتها نحو قرائها بكل تفان وإخلاص لسنوات مديدة وطيف الحبيبة رضوي لا يغيب عنها.. وكيف يغيب وهي باقية في العقل منها والوجدان لكنها مشيئة الله التي تقبلتها بكل صبر وثبات؟! وحين.. وحين.. أبت صحتها مع تقدم السن دون انتظامها في الحضور للجريدة واصلت الكتابة من البيت ذلك البيت الذي تعلق كل من فيه ببابها الأثير.. ولم يكن غريباً ان يخرج منه من يسير علي دربها ألا وهو الابن الخلوق "مصطفي عثمان" الذي راح يثبت أقدامه في دنيا الصحافة لنسعد بانضمامه لأسرة تحرير المساء وبتميزه في نفس المجال الذي برعت فيه والدته الكريمة كمحرر رسائل عاطفية. رحم الله الاستاذة آمال بنت المنصورة التي تركت بصمة كبيرة في عالم الصحافة لتنجح باحترافية في معالجة المشكلات الاجتماعية من منظور أخلاقي بحت عسي ان يفيق الغافل ويستقيم المعوج ويتجدد الأمل عند كل يائس .. أسكنها الله فسيح جناته وألهم الأسرة الصبر والسلوان.