تاريخ "فيلم الرعب" يبدأ من نهاية القرن التاسع عشر عندما حاول المخرج الفرنسي جورج ميلييه أن يغزو هذه المنطقة لاول مرة باستخدام الاختراع الجديد "الصور المتحركة".. قدم ذلك الساحر الفرنسي شريطاً بعنوان "الكهف الملعون" أو "العقد المسكون" عام .1896 ومنذ هذا التاريخ البعيد والسينما في العالم لم تتوقف عن خلق الشخصيات المرعبة والحكايات التي تلعب علي غريزة الخوف.. فلجأت إلي الكوابيس وقوي السحر والشياطين والرعب من المجهول والاشباح التي تطارد ضحاياها في الظلام وامتلأ "البوم" الرعب بشخصيات غريبة من نوع "نوسفراتو." وأحدب نوتردام" وكاليجاري" واكلة لحوم البشر والسفاحين وتطور الوسيط نفسه مع تطور ادوات "التخويف" وقدرة الكمبيوتر علي انتاج صور ما يطأ الخيال من وحوش وأخطار فوق العادة وهجوم قوي الطبيعة الخارقة والغرباء الذين يهبطون من المساء. أفلام الرعب مع التطور المتلاحق أصبحت أكثر تعقيدا وسفسطة وصناعها الحاليون استفادوا من التراث القديم وزادوا عليه ابتكارات الحداثة التي تتجاوز ما سبق تقديمه فليس من السهل أن تخيف المتفرج بالعادي والمألوف أي بما سبق تقديمه من أشكال الرعب.. ومع تطور أدوات وعناصر الترهيب علي أرض الواقع وابتكارات قوي الارهاب بعناصره الرسمية وغير الرسمية في شكل الجماعات المسلحة ازدادت صعوبة "التخويف" وإثارة الرعب عند الشخص العادي.. اصبح علي صانع "الرعب" ان يتجاوز الشرائط التي يعرضها التليفزيون التي يصنعها من يريدون اللعب داخل "الدماغ". إن كل شئ حسب قناعاتي- يبدأ في "الرأس" بمعني أن علي من يريد أن يحقق الخوف ويدفع بنوعية أفلام الرعب إلي الامام أن يلجأ إلي "الافكار" التي تهز صمام الامان داخل الروح. ان تستفز الحواس للدفاع عن الوجود ذاته. فالرعب بالادوات الخارجية. وبمؤشرات الصوت والصورة وحدهما مؤقت ويزول بزوال المؤثر. يحضرني- حالياً فيلم "الآخرون" بطولة نيكول كيدمان للمخرج اليخاندرو امينبار.. واتذكر تأثيره.. فعندما يتهدد الامان وانت في عز الامان تتواري مشاعر السلام الداخلي ويبدأ التهديد من حيث لاتعرف كيف تسلل إلي عالمك! الجانب النفسي والمعنوي في التكوين الانساني هو أكثر اماكن الضعف. انه الركن الذي إن هددته أثرت الرعب لاشك.. الثبات لايهتز الا إذا اهتز اليقين. والميراث المصري في عالم الرعب شحيح جدا.. فلا تكاد تذكر تجربة قوية خرجت منها وانت تحمل آثاراً أو حتي تتذكرها نفسها! الان اصبح من الصعب فعلا إثارة الرعب علي الشاشة بالادوات العادية أو من دون أن تقتحم منطقة اللاوعي. والتفكير.. "الافكار" أكثر انفاذا من الوحوش المصطنعة. فالجن والانس تبادلوا المواقع. في طفولتي كنت ارتعد من حكايات الفلاحين حول "الشيبة" الاسم البديل للجنية في قري الشرقية. وكانت ترقد إلي جوار شاطئ البحر "الترعة" وتنادي بأصوات يعرفها من يمر عليها ثم تجره حين يقترب منها إلي أعماق الماء. صحيح أنني لم أكن قد رأيت أيا من ضحاياها ولكن الحكاية كانت تحدث بداخلي ردود أفعال مخيفة لانها تعني غياب الامان من المكان الجميل الذي أحببته. وعلي نحو واقعي لان الجميع من حولك يقرون بوجودها. الان "الشيبة" اختفت بالكامل حتي في الحكايات الشعبية. وأطفال القرية وكبارها لن ينصتوا اليها لان صوتها "أزيح" بمعني تواري من العقل الباطن العالم تطور حتي هناك واصبحت "داعش" مصدر اقوي للرعب. الافلام المصرية "المرعبة" لم تتطور ولم تخف مخلوق عند عرضها وبدت في حينها كأحد مصادر الخرافة وجسر للعبور إلي "الدين" بمفهومه السطحي والساذج دون التعمق في الايمان وجوهره. تحتاج هذه النوعية تحريك "الدماغ" والعزف علي "اوتار" اللاوعي. واكتساب حرفية الايهام وبعث بيئة خاصة تولد مزاجا كثيفا ثقيلا يحتوي المستقبل للتجربة.. ولسنا في حاجة إلي ما لا نملكه الان من مؤثرات تكنولوجية عالية التكاليف.. تحتاج إلي أفكار ومهارات عالية لصياغتها تملك القدرة علي احتواء المتفرج