تظل عملية القراءة الفاعلة والكتابة الواعية مغامرة استكشافية إبداعية ذات شقين مؤثرين هما : المبدع والمتلقي وبينهما النص الأدبي الذي تعلو أدبيته وتزداد قيمه حين يتعامل المبدع معه وكذلك القارئ والناقد - تعاملاً مؤجلاً بمعني أن نتعاطي النص إبداعاً وقراءة وتأويلاً كمنتج يظل طامحاً للتعديل والارتقاء والتطلع إلي إنجاز قدر ما يستطيعه من القيمة الفنية وبالتالي يظل محفزاً لأطراف العملية الإبداعية علي استمرارية عملية التلقي والتأويل تحويل المسلمات إلي إشكاليات لا تتعالي علي التساؤل والبحث والطرح الحر. هنا نغدو في حالة متصلة من الاستفزاز الجمالي والإثارة الذهنية والتفاعل الخلاق وأزعم أن بين يدي مجموعة قصصية وهي:- "وفيم أنت تفكر" للأديب محمد الدسوقي - من تلك النوعية من الإبداعات المسيلة للعاب القراءة المثيرة للدهشة الطارحة للتساؤل ومن ثم فهي دافعة قارئها دفعاً للدخول في حوار مع نصوصها ومحفزة إياه للتعليق وتسجيل الهوامش علي صفحاتها. ومجموعة الدسوقي "وفيم أنت تفكر" هي المجموعة الثالثة للكاتب وقد أصدرها العام 2008م عن "دار المرسم للإبداع" وذلك بعد مجموعتيه الأخريين . الأولي "محاولة أخري للسقوط" عام 92 . والثانية "قراءة في وجه الحبيبة" عام 99 والفائزة في المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة . هذا بالإضافة إلي كتابات ودراسات أدبية ونقدية أصدرهما في كتابين هما: "وجوه وتأملات" و"الحركة الأدبية في جنوبسيناء". وربما تبدأ فواصل الإثارة والدهشة في المجموعة التي بين أيدينا مع مداخلها من لوحة وغلاف وعنوان وافتتاح . تأتي للعنوان نفسه "وفيم أنت تفكر.." وهو عنوان أحد ثنائيات المجموعة ومقتطع أيضاً من سياق السرد من قصة "تربص" وهو يبدو بهذه الصيغة الظريفة الزمنية المفتوحة قابلاً لكل الاحتمالات . أي . وفيم أنت تفكر حدث كذا وكذا أو اكتشفت كذا وكذا وغيرها من التأويلات الممكنة علي مستوي الفعل الواقع بشكل فجائي وغير متوقع. تبدأ المجموعة بالقصة المفتتح تحت عنوان "تذوق" وهي عبارة عن مشهد مكثف متتالي الإيقاع الحدثي في شكل جملة من القول الشعري المنثور. ونلاحظ إن مختتم المجموعة "قصة" أيضا عنوانها ".. واجترار" وكأن المبدأ والمنتهي يصفان جملة اسمية هي "تذوق واجترار" بدليل واو العطف. والمشهد الافتتاحي كما سجلناه لايتوسل بلغة حيادية . وإنما يعول علي اللغة الانفعالية الشاعرية المحملة بالرمز . وبداية المشهد "في وقت ما" أي أنه عهد لايتذكره الراوي بالتحديد . لكنه علي يقين بحدوثه فهو كان يشرب شاياً وكان هناك في الشرفة المقابلة له امرأة . وهو أمر يعيد تأكيده بتكرار ظرف الزمان "هناك" وتلك المرأة رأها الراوي أثناء تناوله للشاي تتشظي وتتناثر . وعبر عن ذلك بالجملة الاسمية "أعضاؤه تناثرت" زيادة في الحدوث والتحقق . وظل الراوي يستطعم مذاق المرأة في حالة من السكر والغفلة . ولكنه يكتشف مع آخر قطرة أنه كان يتجرع المرارة والألم. إننا ندلف مع المؤلف إلي متن المجموعة من خلال تهيئة وإثارة لأجهزة التلقي . فنحن كثيراً ما نستقبل الأحداث والأشياء استقبالاً غير صحيح لأنها قد تكون مزيفة بالإبهار والبريق . أو مموهة بالتدليس والخداع .أو ملتبسة بالمغالطات . وطالما أن استقبالنا للأمور كان بهذه الكيفية . فالنتائج وردود الأفعال ستكون المزيد من الخداع والتزييف . أي المزيد من التهميش والتغييب. بعد هذا المفتتح يأتي المتن وهو مؤلف من قصص عشر هي: تهيؤ . وانفعال . عشر جنيهات . ثم امرأة أخري . ابن جاد الله . ... وابن من ؟ . تربص . استلاب . الحكاية . وما أدراك.