«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسقط الملك .. يحيا الشعب
نشر في شباب مصر يوم 03 - 08 - 2011

ستظل القصة القصيرة متأبية على تعريف محدد لها .. أو الاتفاق على شكل لا تتجاوزه أو تحيد عنه , والدليل على ذلك هو كثرة وتباين التعريفات التىتوصل اليها بعض الكتاب أوالنقاد أصحاب التجارب والرؤى والخبرات القصصية الكبيرة .. واذا اتفقنا على أن هذه التعريفات تساعد على كشف من يملك موهبة القص ومن لا يملك تأتى أهمية وجود هذه التعريفات لتساعدد المبتدئين والمفتونين بهذا الشكل الإبداعى الجميل .. مثل تعريف الدكتور الطاهر مكى عندما لخص مهاراتها فى هذا التعريف.. حيث يقول : هى حكاية أدبية .. تدرك لتقص .. قصيرة نسبيا.. ذات خطة بسيطة وحدث محدد .. حول جانب من الحياة .. لا فى واقعها العادى والمنطقى.. وانما طبقا لنظرة مثالية ورمزية .. لا تنمى أحداثا وبيئة وشخوصا .. وانما توجز فى لحظة واحدة حدثا ذا معنى كبير .. " أيضا يراها الدكتور حامد أبو أحمد قائلا : إن أى عمل ابداعى لا يمكن أن تكون له ملامح محددة .. والانسان حينما يلجأ الى التصنيف او التحديد فإنه يقتل العمل الادبى .. لأن العمل الادبى ينبوع خالد يتدفق " .
وأرى أن القصة القصيرة تتطور كما يتطور كل شىء فى الحياة .. يمكن النظر أيضا الى أى فن بمدى حاجة المجتمع اليه .. لأن كل مجتمع يكتب فنه بل ويحدد شكل بنائه من واقع حيوات أبنائه .
من ثم يمكن القول أن الاعمال الابداعية لا يمكن أن تتطابق تطابقا تاما .. وأنما يمكن حدوث بعض أوجه الشبه فى كل عطاءات نوع واحد من أنواع الإبداع المختلفة .. بمعنى أنه من الممكن أن تجد وجه شبه فى أعمال كاتبين وثلاثة كتاب أو أكثر .. فى اللغة أو الفكرة أو التشبيهات او الاستعارات أو غير ذلك من مفرادات العمل .
كما أرى – أيضا – أن كل عمل ابداعى يحمل فى تضاعيفه مفاتيح قراءته النقدية .. وتتباين هذه القراءة من متلق لآخر من حيث البناء الفنى واستخراج الدلالات واستكناه المعانى بعيدا عن المدارس النقدية المختلفة التى لا ينظر اليها الكاتب عادة أثناء الكتابة .. فلا يوجد كاتب مبدع حقيقى حين يجلس للكتابة يقول لنفسه سوف أكتب هذه القصة أو القصيدة فى قالب واقعى أو رومانسى أو حداثى أو سأجعلها تخضع لتيار كتابات الحساسية الجديدة التى عرفت بتقديم نقلة فى الصياغة الأدبية .. ليست مجرد نقلة كما وصفها الخراط أساسية فى أشكال التقنيات الفنية .. لكنها النقلة التى ترتبط بأخرى فى مجال التطور الإجتماعى والتاريخى .
لن أتحدث حديثا تقليديا عن مجموعة (( يسقط الملك )) أى من خلال التقسيمات التى درج عليها النقاد – كما أسلفنا - مثل البداية والوسط والنهاية . خاصة اذا كانت عناصر وأدوات القص الرئيسية التى أشرنا اليها متحققة فى قصص المجموعة التى لفتت نظرى بشدة مؤكدة وجود قاص متميز .. يعى ما يكتب فى بساطة وثقةلافتة ..
ولنبدأ بدخول عالم القاص رضا الأشرم المدهش من خلال لوحة الغلاف حيث الغلاف الباب الرئيس الذى يتوارىخلفه أسرار هذه المجموعة .. اللوحة بصدق شديد تعكس حالة التشظى والتشرذم التى يعيشها مجتمع المهمشين فى بلادنا .. وقد نجح الفنان أحمد الجناينى فى الرسم أو اختيار هذه اللوحة للتعبير عن مضامين قصص المجموعة .. حيث كماهو معلوم أن الفن بكل صوره وأشكاله يخاطب الوجدان الانسانى فى كل بقاع الأرض فماذا قدم فنان اللوحة ؟ .. جمجمة على ساق واحدة تتعامد وتتقاطع معها جثة شخصية أخرى .. وعلى الجانب جزء من الذراع على جمجمة أخرى غير واضحة المعالم .. وبين الجسد والذراع يقف طائر .. هذا الطائر لابد وأن يكون غرابا ينعق فوق هذه الجثة التى تمزقت أشلاء .. وهى فى واقع الأمر تعكس ما آل اليه حال الشخصيات التى تناولتها المجموعة .. وتبقى الدوامة فى اللوحة مشيرة الى ضياع الإنسان وابتلاع حاضره ومستقبله . وحاجته الى عالم جديد يحترم آدميته وانسانيته .
البناء الفنى :
تتكون المجموعة من ثمانى عشرة قصة متقاربة الطول .. وهذا النوع من القصص هو أكثر ما يقبل عليه القارىء المشغول بحياته ومشاكله .. فهو يقرأ فى القطار او السيارة أ وحتى فى المكتب لأن تلاحق الزمن والعمل لا يمنحانه فرصة مناسبة لإلتقاط الأنفاس .. فأطول القصص لا تزيد عن خمس صفحات .. وهى قصة (( الصياد والنهر )) وأقصر قصص المجموعة تتكون من صفحتين وهى قصة (( معونة الشتاء )) .. أيضا فإن عناوين القصص تترواح ما بين كلمة واحدة وهى قصص : ((التوتة .. الكلب .. اللطمة .. الرسالة .. الحصان .. وقصص تتكون عنواينها من كلمتين هى : الصياد والنهر .. معونة الشتاء.. الشرفة الذهبية . يسقط الملك.. الرجل الضئيل .. الذئب والكلب .. جدول الضرب .. أما القصص التى تتكون عنواينها من ثلاث كلمات فهى : ثورة الحمير الكبرى .. القارب الذى غاص .. وتبقى ثلاث قصص تتكون من أربع كلمات هى : حكاية ضابط طويل القامة .. الرجل ذو الوجه المكتنز .. وقائع جنازة مولانا عز الدين .
عن بدايات القصص :
من المهم أيضا أن نتعرف على مداخل القصص .. حيث أن الكلمة أو الجملة الاولى هى أحدا لمفاتيح الهامة لتقرير المتلقى الاستمرار فى القراءة أو عدم الاستمرار حتى النهاية .. فكيف دخل الكاتب الى بداية اللحظة أو اللقطة التى سيقيم عليها بناءه للقصة .. حيث أن جملة الإبتداء – كما يرى بعض النقاد – هى التى تدفع القارىء الى المضى دون توقف لاستكناه ما يريده الكاتب أن يقوله من خلال قصته وباستمتاع أيضا .
ونلاحظ أن الكاتب إستخدم الفعل الماضى كجملة ابتداء فى خمس قصص .. وحرف الجر فى ست قصص .. كما استخدم أيضا ظرفى الزمان والمكان فى بعض القصص الأخرى .. ولننظر كيف بدأ الكاتب قصصه :
(( حكاية ضابط طويل القامة )) : نفدت صحف صباح هذا اليوم ..
(( ثورة الحمير الكبرى )) : انتشر الخبر سريعا ..
(( الرسالة )) : بُهت الحارس الذى لم يذق ..
(( وقائع جنازة مولانا عز الدين)) : كان فى سريره لم يزل ..
(( الحصان )) : مالت الشمس ..
هناك أيضا ست قصص تبدأ بأحد حروف الجزم (لم) وهى :
(( معونة الشتاء )) : لم ينقشع الضباب بعد ..
(( الشرفة الذهبية )) : لم يكن هذا الوقت موعدا للضوضاء..
(( التوتة )) : لم يدر أحا سر ما جرى لشجرة التوت العملاقة..
(( الرجل الضئيل )) : لم يكن أمامه من بُد سوى تنفيذ أمر زوجته..
وهكذا تترواح البدايات أو المداخل كمانرى بين الفعل الماضى وحروف الجزم والجر والظروف المكانية والزمانية .. هذا التنوع فى جملة الابتداء يساعد القاص على وضع المتلقى فى الحالة التى يبدأ بها القصة .. كما تساعده أيضا على تحديد الزمان والمكان وتسهم فى تشكيل وعيه للتعامل مع القصة .. كماأن الجملة الفعلية الماضية قد تجعل القارىء يسترخى عند القراءة مع استدعاء الرواى للحدث من الذاكرة فيتعامل القارىء مع الحدث باحساس القارىء للتاريخ وكأنه يستمع إلى حدوتة قبل النوم من الأم أو الجدة .. وذلك عكس بدايات المضارعة التى تعنى الآنية واللهاث مع الحدث الذى يجعل لاالعقل فى حالة إستنفارواستعداد للتفاعل والمشاركة .. وقد تدفع القارىء الى رؤى مستقبلية حيث شارك الكاتب فى بناء نصه الموازى .
أيضافإن الكاتب لم يستخدم الأسماء العادية مثل اسمى واسمك فى معظم القصص.. وإنما استخدم الصفات أو الوظائف أو المناصب .. والمعنى كما أتخيله أو ألاحظهأو أستشعره هو أن الكاتب يشير إلى شيوع هذه الشخصيات فى المجتمع.. مثل شخصية الأب وابنته فى قصة ( معونة الشتاء ) والصياد وولده فى قصة ( الصياد والنهر ) ..والجد والحفيد فى قصة (القارب الذى غاص ) ..والحارس والمعاون واللجنة فى قصة ( التوتة ).. إضافة إالى كثرة مثل هذه الشخصيات.. كما تعطى الفرصة للقارئ لاستخراج دلالات فنية تقترب كثيرا من دلالات الترميز فى الأعمال الإبداعية الناجحة التى دائما مايرى أو يكتشف فيها الناقد القارئ أو القارئ الناقد إشارات إلى محطات ينبغى التوقف عندها لتكوين موقف مع أو ضد الشخصية أو الفكرة التى يريد الكاتب ان يتفاعل القارئ معها .. يمكن أيضا أن تكون إشارة إلى أن هذه الشخصيات المنسحقة تحتاج إلى المعاونة والمساعدة من القادرين على العطاء سواء كانت هذه القدرة للأنظمة الحاكمة التى تملك كل شئ المال والنفوذ والسلطة .. أم من الأغنياء الذين تتضخم ثرواتهم على حساب القادرين وغير القادرين على السواء .. وهذه إحدى وظائف الإبداع التى تقع على كاهل كل مبدع مهموم أو مشغول بوطنه وناسه أو طبقته يقدم لهم عملا فنيا صادقا ومخلصا يدعو أو يشير أوينبه إلى ضرورة تخليص الطبقات المنسحقة من الشر والغساد والتسلط والظلم ..
وقد نجح الكاتب فى أن يجعلنا نتعاطف مع شخصياته تعاطفا تاما .. وهو مايعنى فنيا وحدة الإنطباع أو الأثر التىتؤكد نجاح القاص فى توصيل رسالته .. وهذا يتوقف على مدى قدرته على اصطياد اللحظة أو اللقطة المناسبة لفعل الكتابة أو العين الزائدة التى يشير إليها ( أندريه جرين ) فى تحديد الفرق بين المبدع الحقيقى والمزيف حيث يقول :
إن كل مبدع حقيقى لابد وأن تكون له عين زائدة .. هذه العين هى التى ترى مالايراه غيره من الناس .. وأرى أن رضا الأشرم يمتلك فعلا هذه العين التى التقطت أفكار ولحظات هذه القصص التى جعلتنى لاأتوقف عن القراءة .. أيضا فإن روح أو ذات الكاتب تبدومتغلغلة داخل كل القصص .. فتشعر أن الكاتب أو الراوى يحرك أو يتبنى قضايا هذه ا لشخصيات.. فإذا عرفناأن دراسات التحليل النفسى للشخصية فى كل الأعمال الإبداعية فى الشعر أو القصة القصيرة أو الطويلة رواية أو مسرحا حتى فى الأعمال التشكيلية.. هذا التحليل لايستطيع إقصاء ( الذات ) ذات الكاتب أو المبدع عن التأثير فى أعماله أو شخصياته .... فتشعر وأنت تقرأ أن الكاتب هو المحرك لهذه الشخصيات .. وأنه الذى يبث فيها الأفكار ويحركها نحو الثورة على الواقع الثقيل الجاثم فوق صدرها .. وعلى سبيل المثال شخصية الشاويش حسنين فى قصة ( يسقط الملك ) .. وهى قصة مركزة ومكثفة وتعكس حال المطحونين إلى الدرجة التى ينقلب فيها الحارس المظلوم على سيده أو سادته الذين ظلموه.. وقد استخدم الكاتب فيها ضمير الغائب ليحمل الشخصية مايريد لها أن تحمله وما ينبغى عليها أن تفعله دون مباشرة ..لتنطلق من القيد الذى تم وضعه فى رقبتها .. وعلى شخصيات قصة ( حكاية ضابط طويل القامة ) يطرح عباءته الثورية والسياسية .. وايضا قصة ( ثورة الحمير الكبرى ) .. وهكذا باقى القصص .. وبالتالى فإن ذلك يؤكد أهمية سؤال ( أندريه جرين ) حول المدى الذى يؤثرفيه الكاتب على شخصياته .. ويطرح من السؤال سؤالا آخر :هل من الممكن عدم إقامة أى علاقة بين الإنسان وإبداعه ؟.. والإجابة إذن فمن أين يقتات هذا الإبداع إن لم يكن الكاتب يملك هذه العين الزائدة التى تعمل عنده – كما أشرنا – سواء كانت هذه العين عينا راصدة بوعى حاد أو لاقطة بتلقائية وطبيعية .. تختزن الحدث واللقطة ثم تستعيدها أو تسترجعها فى الوقت المناسب لتفرزها لنا إبداعا جميلا .. وهذا مافعله رضا الأشرم مع قصصه .. حيث نجدهذه الذات الملتحمة مع ذوات الآخرين.. ولنأخذ مثلا من قصة ( الكلب) .. حيث يؤكد إلتحام هذه الذات مع الشعور بمسؤليتها عن الآخرين :( الليل موعده وميدانه .. ليلتها كانت الظلمة حالكة .. ولما نبح لم أنشغل به ..بل لم أفكر فيه مطلقا .. إذ كثيرا ماتنبح الكلاب ليلا فى بلدتنا .. كتلة سوداء متحركة تندفع نحوى .. بعينيه المدورتين اللتين تقدحان شررا سد الطريق على .. راح ينبح مبرزا أسنانه وأنيابه اللامعة.. تراجعت خطوة .. خطوتين ..بينمت تقدم بنباحه القصير المتواصل .. وفى غمضة عين فررت من أمامه فلاحقنى.. درت وبحذائى ضربته) ..
هنا نرى شخصية الراوى قد امتزجت تماما بالمشكلات العامة مستخدما ضمير المتكلم لتأكيد حقيقة عدم إمكانية فصل أو إقصاء ذات الكاتب عن كتابته ..
موضوعات القصص :
ان رسالة الأدب والفن بصفة عامة كما يقول بعض الكتاب والنقاد هى طرح الاسئلة وإثارة المشكلات .. وأرى أن كل قصص المجموعة تطرح أسئلة وتثير بعض المشكلات .. فقصة يسقط الملك تدور كلها فى فى فلك السياسة .. بل وأزعم أنها تعبر عن موقف شخصى ومضمون ذاتى للكاتب وتطرح سؤالا كبيرا عن الحرية والخوف .. وهذا يمنحها " قيمة مضافة " باصطلاحات الإقتصاديين تجعل قارئ هذه القصص لا ينصرف عن القراءة مللا أوضيقا وغير ذلك من الأسباب التى تصرف عن القراءة .. بل يستمر فى السباحة مستمتعا ومشاركا الكاتب فى موضوعه .. وقد تساعده القصة على طرح أسئلة جديدة لم تدر فى ذهن الكاتب وهو يكتب .
وقد لاحظت أن هناك وجه شبه بين موضوعات أو أفكار بعض القصص أو الدلالات .. مثل قصة الصياد والنهر , والتوتة , القارب الذى غاص .. وهذا لا يمثل عيبا فنيا لكن قد يتم تفسيره بالتكرار الذى قد يدفع القارىء الى الملل أو بمحدودية مخزون التجارب الذى يعتمد عليه المبدع .
التشابه أو التكرار فى هذه القصص يقع بين شخصية الصياد فى قصة (( الصياد والنهر )) وبين شخصية الجد فى (( القارب الذى غاص )) وبين الشخصيتين وشخصية الحارس فى قصة (( التوتة )) .
" يسقط الملك " " ثوار وفئران " , وهى قصة تحمل " رؤية سياسية بارعة الذكاء " و " ثورة الحمير " قصة جيدة أيضا من حيث التناول والبناء الفنى حيث نجح الكاتب فى مزج الواقعى بالفنتازى عن تراجيديا السياسة عبر لغة تحمل فانتازيا الحياة اليومية .. ومآسيها التى لاتنتهى .
الشخصيات بصفة عامة شخصيات محبطة .. مهيضة .. مستضعفة.. وفى معظم القصص نستكشف مواقف لشخصيات كلها تعانى من الإحباط والإنكسار.. لكن بعض هذه الشخصيات يبدى الشجاعة ويقاوم فى ثبات .. مثل شخصية الصياد فى قصة (( الصياد والنهر )) وشخصية الجد فى قصة (( القارب الذى غاص )) والذى ظل يقاوم حتى آخر لحظة عندما تكأكأ عليه كارهوه وأغرقوه مع قاربه لرفضه الانصياع اليهم وهى قصة تشير ببراعة إلى التسلط والفساد الذى يتغلغل فى الطغمة الحاكمة . أيضا شخصية الشاويش حسنين فى قصة (( يسقط الملك )) حيث بدأ المقاومة انتقاما لقتلة ابنه بكتابة جملة (( يسقط الملك )) وكأنه يبشر أو يطلق شرارة الرفض لجلاديه والثورة عليهم .. ثم فى النهاية لم يجبن ويعلن مسئوليته عن كتابة الجملة بل ويعيد كتابتها مرة ثانية وثالثة .
وهكذا ينقل لنا الكاتب من خلال هذه القصص رؤاه ومشاعره تجاه قضايا مجتمعه .. ونبض هذا المجتمع فى مواجهة إنكساراته وهزائمه ..وينجح في نقل مايريد من مضامين وأفكار من خلال ما يعرف بالأسلوب المشهدي الذي استخدمه الكاتب الأمريكي ( هنري جيمس ) .. وهذا الأسلوب مقصود به رؤية الكاتب المحايده للحدث .. حيث الراوي القاص يساوي الشخصية القصصية تماماً . ويبدو ممتزجاً بشخصياته كأنهم نسيج واحد يغوص في أعماقهم ويعرف عنهم ويستخرج من أعماقهم كل شيئ .
أيضاَ فإن لغة السرد في هذه المجموعة عالية .. سواء السرد في اللغة أو السرد في الحكي .. بل وينجح في توظيف ودمج لغة السرد الحكائي في بنية السرد اللغوي بطريقة تشد المتلقي أو القارئ .. وتجعله شديد الإرتباط باللقطة القصصية حتى ينتهي منها فيتوقف ليفكر ويتأمل ..و يقول كلمته أو يكون بناء نصه الشخصي عن القصة كما قلنا .
وهكذا ينقل لنا الكاتب رضا الأشرم من خلال هذه المجموعة المتميزةبعض شخصياته التي تترجم - كما قلنا - قضايا ومشاكل المجتمع .
( نهايات القصص وطرح الأسئلة )
ولأن جملة الإبتداء كما قال( إدجار الان بو) شديدة الأهمية أضيفإإعتقادى أن جملة النهاية لا تقل أهمية عن جملة البداية .
فكيف انتهت قصص المجموعة ؟..
( الصياد والنهر ) راحت ضحكاته تدوي بين جنبات النهر فوق أمواجه المتهادية .. والصياد العجوز يجدف ناحية الجنوب بقوة وثقة .
( معونة الشتاء ) قالت وقلبها يرتجف : بابا أنا بردانة .
( الشرفة الذهبية ) ولم أدهش لما حدث ..فبمجرد مرور يدي عل الجير إختفى وانمحى وكأنه كان ظلاً وزال .
( التوتة ) حاول الحارس وهو داخل العربة أن يرى شجرته من بعيد إلا أن الغبار المتطاير والكثيف الذي أثارته السيارتان حجب شجرة التوت .
( يسقط الملك ) ولما جاء دور الشاويش .. لم يمسك بالقلم أمام قائده وزملائه والخبير .. أخرج إصبع الطباشير من جيبه .. وبثبات شديد كتب نفس الجملة على الحائط فوق الأولى .. وكانت كلمة (( يسقط )) مستقيمة.. أما (( الملك )) فمائلة شيئاً ما .
( ثوار وفئران ) أما أنت فلا زلت لا تعرف شيئاً عن الفئران بعد .
( حكاية ضابط طويل القامة ) قام من فوره وصافحه .. شد على يده بقوة .. بثقة .. وقال لايزال يهز يده : عزيزي .. فلتقرأ ما سنكتبه صباح الغد ..
( ثورة الحمير الكبرى ) فانطلق الرصاص منها غزيراًيحصد الحمير حصداً .. فسالت الدماء على الأرض .. ولشدة غزارتها تكونت بحيرة دموية أبت أن تسيل نحو مجرى النهر .
( الرجل الضئيل ) وحينما تسلمت زوجته جثته .. تماسكت وصبت الدمع .. ولكنها انهارت وانتحبت لما سلموها متعلقاته ولم يكن المعطف من بينها .
( الكلب ) ظل يندفع الدم من الفم حتى خفت نباحه رويدا رويدا .. وسكنت الارتعاشة .. وأغمضت العينان وسقط الرأس .
( اللطمة ) هذا البلد لم يعد لنافيه معاش .. ولا تنسى أن فى السماء ربا إسمه الكريم .
( الذئب والكلاب ) وحين أطلوا برؤوسهم داخل الحظيرة .. عرفوا كُنه ما جرى فتراجعوا يمصمصون الشفاه .. ويخبط كل منهم كفا بكف ..
(( جدول الضرب )) راح يهذى بكلمات غير مفهومة .. حتى وقعت عيناه على حماره هنا هب مستأسدا ممسكا بعصاه .. مشمرا عن ساعديه و .... هنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
(( الرجل ذو الوجه المكتنز )) ذهل لما هب فيه الرجل .. اذ سمع صوت الصول الذى به اشتهر .. تراجع محدقا فيه بشدة .. ظل ينسحب بظهره خطوات .. وفى لحظة اعتدل وأطلق ساقيه تسابقان الريح .
(( الرسالة )) ولكن الوزير فوجىء بالطبيب يلقى بالملاءة البيضاء على وجه الملك – هنا جرى فرحا يزف البشرى الى ولى العهد .
(( وقائع جنازة مولانا عز الدين )) حلقت فوقه أسراب من الطيور لم يعهدها الناس قبل اليوم . صغيرة وكبيرة .. أنواعها مختلفة . وريشها ملون .. تصفر وتصيح وتزغرد الى أن أخفقت كل العيون .
(( الحصان )) فتكسرت العربة .. وشوهد الرجل يتدحرج فى دمه حتى سقط فى الترعة .. بينما وقف الحصان يتصبب عرقا ويرفع رأسه فلا يسمع سوى صوت الأجراس .
(( القارب الذى غاص )) ولما رأيت الماء يصل الى رقبة جدى والقارب يغوص تماما صرخت .. ورأيتهم يهرولون الى أعلى .. وإلتفت الى الماء فلم أعثر على جدى ولا على قاربه ( الذى لا يبين ) وجلست أبكى أنتظر خروجهما .
هكذا يتأكد لنا أن شخصيات القاص رضا الأشرم شخصيات منسحقة مكدودة مهمشة تعيش زمنا خانقا ضيقا .. شخصيات تعانى الظلم والمرارة وتكافح وتكابد من أجل حياة شريفة وفى ذات الوقت لا تستسلم أو تسقط بسهولة .. وإنما تضع نفسها فى مواجهة مع ظالميها .. من ثم فإن كل قصة من هذه القصص تطرح كثيرا من الأسئلة .. وهى إحدى وظائف الإبداع الأساسية ..
ملاحظات الصياغة الفنية
من المعلوم أن جملة زائدة فى السياق القصصى أو حتى كلمة لاتفيد المعنى أو تساهم فىتعميق الحدث وتركيزه تكون عائقا فى تلقى الحدث والتفاعل معه .. كما تؤثر أيضا فى تكوين وحدة الإنطباع ..
فى قصة ( الصياد والنهر ) يقول رضا : كان الصبح قد تنفس ولم يبق للظلام من أثر.. وفى السطر الثانى: فالوجوه حمر والعيون زرق.. وفى نفس القصة:فى قلبه هو لا فى قلب النهر.. وفى قصة ( الشرفة الذهبية )ص160 ( للغاية) .. زائدة .. السطر السادس ص 18,, فى الطابق الثامن ,,أنهم بصدد البحث عن سيارة .. رفعوا جرادلهم إلى ( الشرف )
فى قصة (( التوتة )) حقيقة يعرفها هذا القاص والدانى فى هذه الناحية كلها ..
فى قصة (( ثورة الحمير الكبرى )) فى السطر الأخير من ص35 ( والمعلقة على كتفه ) بينما كان فى قصة (الرجل الضئيل ) لم يكن أمامه ( من بد ) كصنبور عطب .
فى قصة (( وقائع جنازة مولانا عز الدين )) دخلوا البيت فالحجرة .. وهكذا على سبيل المثال تتناثر بعض الجمل أو الكلمات الزائدة فى سياق بعض القصص كان يمكن حذفها دون أن يؤثر ذلك على البناء الفنى كما توجد أيضا بعض الأخطاء اللغوية وهى قليلة جدا وقد تكون من المطبعة .. كما لاحظت أن الكاتب قد أنهى جميع القصص بكلمة " تمت " وهى كلمة أعتقد أنها تصدم القارىء .. وكأنما المبدع أو الكاتب يقول له ( شكرا) لا تفكر فقد إنتهى كل شىء أو ( تصبح على خير ) .. أتمنى أن يتدارك ذلك فى مجموعته القادمة .
فى النهاية أقول بثقة وصدق أن فضاءات المبدع رضا الأشرم فضاءات ثرية بالتجارب والخبرات الحياتية والرؤى والأفكار الإبداعية القابلة للبناء والعطاء القصصى المتميز فى عالم القصة القصيرة الساحر .. ويجعله ذلك قادرا ومسيطرا وممسكا بتلابيب المتلقى .. يملك أيضا عينا لاقطة وبصيرة واعية تخترق كثيرا من الغرائبية الفكرية وقريحة ثاقبة قادرة على كشف خفايا وأسرار النفس الانسانية فى صراعاتها اليومية العادية يسردها بقلم يقطر صدقا حياتيا وفنيا فى وقت واحد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.