عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 18-5-2024 بعد آخر ارتفاع بالصاغة    كوريا الشمالية تختبر صاروخا باليستيا تكتيكيا مزودا بتكنولوجيا الملاحة الجديدة    زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى 120 إلى 130 طائرة إف-16 لتحقيق التكافؤ الجوي مع روسيا    الزمالك يختتم تدريباته استعدادًا لملاقاة نهضة بركان.. اليوم    مواعيد مباريات اليوم السبت 18- 5- 2024 والقنوات الناقلة    بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية    «الأرصاد»: طقس السبت شديد الحرارة نهارا.. والعظمى بالقاهرة 39 درجة    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    قبل فتح اللجان، تداول امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالشرقية، والتعليم تحقق    حظك اليوم وتوقعات برجك 18 مايو 2024.. مفاجآة ل الدلو وتحذير لهذا البرج    أبو علي يقود تشكيل الأهلي المتوقع أمام الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا    محمد سامي ومي عمر يخطفان الأنظار في حفل زفاف شقيقته (صور)    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 18 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    تشكيل الترجي المتوقع لمواجه الأهلي ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    الأهلي والترجي| المارد الأحمر يسعى لتقديم مهر الأميرة السمراء في رداس    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    نوح ومحمد أكثر أسماء المواليد شيوعا في إنجلترا وويلز    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسقط الملك .. يحيا الشعب
نشر في شباب مصر يوم 03 - 08 - 2011

ستظل القصة القصيرة متأبية على تعريف محدد لها .. أو الاتفاق على شكل لا تتجاوزه أو تحيد عنه , والدليل على ذلك هو كثرة وتباين التعريفات التىتوصل اليها بعض الكتاب أوالنقاد أصحاب التجارب والرؤى والخبرات القصصية الكبيرة .. واذا اتفقنا على أن هذه التعريفات تساعد على كشف من يملك موهبة القص ومن لا يملك تأتى أهمية وجود هذه التعريفات لتساعدد المبتدئين والمفتونين بهذا الشكل الإبداعى الجميل .. مثل تعريف الدكتور الطاهر مكى عندما لخص مهاراتها فى هذا التعريف.. حيث يقول : هى حكاية أدبية .. تدرك لتقص .. قصيرة نسبيا.. ذات خطة بسيطة وحدث محدد .. حول جانب من الحياة .. لا فى واقعها العادى والمنطقى.. وانما طبقا لنظرة مثالية ورمزية .. لا تنمى أحداثا وبيئة وشخوصا .. وانما توجز فى لحظة واحدة حدثا ذا معنى كبير .. " أيضا يراها الدكتور حامد أبو أحمد قائلا : إن أى عمل ابداعى لا يمكن أن تكون له ملامح محددة .. والانسان حينما يلجأ الى التصنيف او التحديد فإنه يقتل العمل الادبى .. لأن العمل الادبى ينبوع خالد يتدفق " .
وأرى أن القصة القصيرة تتطور كما يتطور كل شىء فى الحياة .. يمكن النظر أيضا الى أى فن بمدى حاجة المجتمع اليه .. لأن كل مجتمع يكتب فنه بل ويحدد شكل بنائه من واقع حيوات أبنائه .
من ثم يمكن القول أن الاعمال الابداعية لا يمكن أن تتطابق تطابقا تاما .. وأنما يمكن حدوث بعض أوجه الشبه فى كل عطاءات نوع واحد من أنواع الإبداع المختلفة .. بمعنى أنه من الممكن أن تجد وجه شبه فى أعمال كاتبين وثلاثة كتاب أو أكثر .. فى اللغة أو الفكرة أو التشبيهات او الاستعارات أو غير ذلك من مفرادات العمل .
كما أرى – أيضا – أن كل عمل ابداعى يحمل فى تضاعيفه مفاتيح قراءته النقدية .. وتتباين هذه القراءة من متلق لآخر من حيث البناء الفنى واستخراج الدلالات واستكناه المعانى بعيدا عن المدارس النقدية المختلفة التى لا ينظر اليها الكاتب عادة أثناء الكتابة .. فلا يوجد كاتب مبدع حقيقى حين يجلس للكتابة يقول لنفسه سوف أكتب هذه القصة أو القصيدة فى قالب واقعى أو رومانسى أو حداثى أو سأجعلها تخضع لتيار كتابات الحساسية الجديدة التى عرفت بتقديم نقلة فى الصياغة الأدبية .. ليست مجرد نقلة كما وصفها الخراط أساسية فى أشكال التقنيات الفنية .. لكنها النقلة التى ترتبط بأخرى فى مجال التطور الإجتماعى والتاريخى .
لن أتحدث حديثا تقليديا عن مجموعة (( يسقط الملك )) أى من خلال التقسيمات التى درج عليها النقاد – كما أسلفنا - مثل البداية والوسط والنهاية . خاصة اذا كانت عناصر وأدوات القص الرئيسية التى أشرنا اليها متحققة فى قصص المجموعة التى لفتت نظرى بشدة مؤكدة وجود قاص متميز .. يعى ما يكتب فى بساطة وثقةلافتة ..
ولنبدأ بدخول عالم القاص رضا الأشرم المدهش من خلال لوحة الغلاف حيث الغلاف الباب الرئيس الذى يتوارىخلفه أسرار هذه المجموعة .. اللوحة بصدق شديد تعكس حالة التشظى والتشرذم التى يعيشها مجتمع المهمشين فى بلادنا .. وقد نجح الفنان أحمد الجناينى فى الرسم أو اختيار هذه اللوحة للتعبير عن مضامين قصص المجموعة .. حيث كماهو معلوم أن الفن بكل صوره وأشكاله يخاطب الوجدان الانسانى فى كل بقاع الأرض فماذا قدم فنان اللوحة ؟ .. جمجمة على ساق واحدة تتعامد وتتقاطع معها جثة شخصية أخرى .. وعلى الجانب جزء من الذراع على جمجمة أخرى غير واضحة المعالم .. وبين الجسد والذراع يقف طائر .. هذا الطائر لابد وأن يكون غرابا ينعق فوق هذه الجثة التى تمزقت أشلاء .. وهى فى واقع الأمر تعكس ما آل اليه حال الشخصيات التى تناولتها المجموعة .. وتبقى الدوامة فى اللوحة مشيرة الى ضياع الإنسان وابتلاع حاضره ومستقبله . وحاجته الى عالم جديد يحترم آدميته وانسانيته .
البناء الفنى :
تتكون المجموعة من ثمانى عشرة قصة متقاربة الطول .. وهذا النوع من القصص هو أكثر ما يقبل عليه القارىء المشغول بحياته ومشاكله .. فهو يقرأ فى القطار او السيارة أ وحتى فى المكتب لأن تلاحق الزمن والعمل لا يمنحانه فرصة مناسبة لإلتقاط الأنفاس .. فأطول القصص لا تزيد عن خمس صفحات .. وهى قصة (( الصياد والنهر )) وأقصر قصص المجموعة تتكون من صفحتين وهى قصة (( معونة الشتاء )) .. أيضا فإن عناوين القصص تترواح ما بين كلمة واحدة وهى قصص : ((التوتة .. الكلب .. اللطمة .. الرسالة .. الحصان .. وقصص تتكون عنواينها من كلمتين هى : الصياد والنهر .. معونة الشتاء.. الشرفة الذهبية . يسقط الملك.. الرجل الضئيل .. الذئب والكلب .. جدول الضرب .. أما القصص التى تتكون عنواينها من ثلاث كلمات فهى : ثورة الحمير الكبرى .. القارب الذى غاص .. وتبقى ثلاث قصص تتكون من أربع كلمات هى : حكاية ضابط طويل القامة .. الرجل ذو الوجه المكتنز .. وقائع جنازة مولانا عز الدين .
عن بدايات القصص :
من المهم أيضا أن نتعرف على مداخل القصص .. حيث أن الكلمة أو الجملة الاولى هى أحدا لمفاتيح الهامة لتقرير المتلقى الاستمرار فى القراءة أو عدم الاستمرار حتى النهاية .. فكيف دخل الكاتب الى بداية اللحظة أو اللقطة التى سيقيم عليها بناءه للقصة .. حيث أن جملة الإبتداء – كما يرى بعض النقاد – هى التى تدفع القارىء الى المضى دون توقف لاستكناه ما يريده الكاتب أن يقوله من خلال قصته وباستمتاع أيضا .
ونلاحظ أن الكاتب إستخدم الفعل الماضى كجملة ابتداء فى خمس قصص .. وحرف الجر فى ست قصص .. كما استخدم أيضا ظرفى الزمان والمكان فى بعض القصص الأخرى .. ولننظر كيف بدأ الكاتب قصصه :
(( حكاية ضابط طويل القامة )) : نفدت صحف صباح هذا اليوم ..
(( ثورة الحمير الكبرى )) : انتشر الخبر سريعا ..
(( الرسالة )) : بُهت الحارس الذى لم يذق ..
(( وقائع جنازة مولانا عز الدين)) : كان فى سريره لم يزل ..
(( الحصان )) : مالت الشمس ..
هناك أيضا ست قصص تبدأ بأحد حروف الجزم (لم) وهى :
(( معونة الشتاء )) : لم ينقشع الضباب بعد ..
(( الشرفة الذهبية )) : لم يكن هذا الوقت موعدا للضوضاء..
(( التوتة )) : لم يدر أحا سر ما جرى لشجرة التوت العملاقة..
(( الرجل الضئيل )) : لم يكن أمامه من بُد سوى تنفيذ أمر زوجته..
وهكذا تترواح البدايات أو المداخل كمانرى بين الفعل الماضى وحروف الجزم والجر والظروف المكانية والزمانية .. هذا التنوع فى جملة الابتداء يساعد القاص على وضع المتلقى فى الحالة التى يبدأ بها القصة .. كما تساعده أيضا على تحديد الزمان والمكان وتسهم فى تشكيل وعيه للتعامل مع القصة .. كماأن الجملة الفعلية الماضية قد تجعل القارىء يسترخى عند القراءة مع استدعاء الرواى للحدث من الذاكرة فيتعامل القارىء مع الحدث باحساس القارىء للتاريخ وكأنه يستمع إلى حدوتة قبل النوم من الأم أو الجدة .. وذلك عكس بدايات المضارعة التى تعنى الآنية واللهاث مع الحدث الذى يجعل لاالعقل فى حالة إستنفارواستعداد للتفاعل والمشاركة .. وقد تدفع القارىء الى رؤى مستقبلية حيث شارك الكاتب فى بناء نصه الموازى .
أيضافإن الكاتب لم يستخدم الأسماء العادية مثل اسمى واسمك فى معظم القصص.. وإنما استخدم الصفات أو الوظائف أو المناصب .. والمعنى كما أتخيله أو ألاحظهأو أستشعره هو أن الكاتب يشير إلى شيوع هذه الشخصيات فى المجتمع.. مثل شخصية الأب وابنته فى قصة ( معونة الشتاء ) والصياد وولده فى قصة ( الصياد والنهر ) ..والجد والحفيد فى قصة (القارب الذى غاص ) ..والحارس والمعاون واللجنة فى قصة ( التوتة ).. إضافة إالى كثرة مثل هذه الشخصيات.. كما تعطى الفرصة للقارئ لاستخراج دلالات فنية تقترب كثيرا من دلالات الترميز فى الأعمال الإبداعية الناجحة التى دائما مايرى أو يكتشف فيها الناقد القارئ أو القارئ الناقد إشارات إلى محطات ينبغى التوقف عندها لتكوين موقف مع أو ضد الشخصية أو الفكرة التى يريد الكاتب ان يتفاعل القارئ معها .. يمكن أيضا أن تكون إشارة إلى أن هذه الشخصيات المنسحقة تحتاج إلى المعاونة والمساعدة من القادرين على العطاء سواء كانت هذه القدرة للأنظمة الحاكمة التى تملك كل شئ المال والنفوذ والسلطة .. أم من الأغنياء الذين تتضخم ثرواتهم على حساب القادرين وغير القادرين على السواء .. وهذه إحدى وظائف الإبداع التى تقع على كاهل كل مبدع مهموم أو مشغول بوطنه وناسه أو طبقته يقدم لهم عملا فنيا صادقا ومخلصا يدعو أو يشير أوينبه إلى ضرورة تخليص الطبقات المنسحقة من الشر والغساد والتسلط والظلم ..
وقد نجح الكاتب فى أن يجعلنا نتعاطف مع شخصياته تعاطفا تاما .. وهو مايعنى فنيا وحدة الإنطباع أو الأثر التىتؤكد نجاح القاص فى توصيل رسالته .. وهذا يتوقف على مدى قدرته على اصطياد اللحظة أو اللقطة المناسبة لفعل الكتابة أو العين الزائدة التى يشير إليها ( أندريه جرين ) فى تحديد الفرق بين المبدع الحقيقى والمزيف حيث يقول :
إن كل مبدع حقيقى لابد وأن تكون له عين زائدة .. هذه العين هى التى ترى مالايراه غيره من الناس .. وأرى أن رضا الأشرم يمتلك فعلا هذه العين التى التقطت أفكار ولحظات هذه القصص التى جعلتنى لاأتوقف عن القراءة .. أيضا فإن روح أو ذات الكاتب تبدومتغلغلة داخل كل القصص .. فتشعر أن الكاتب أو الراوى يحرك أو يتبنى قضايا هذه ا لشخصيات.. فإذا عرفناأن دراسات التحليل النفسى للشخصية فى كل الأعمال الإبداعية فى الشعر أو القصة القصيرة أو الطويلة رواية أو مسرحا حتى فى الأعمال التشكيلية.. هذا التحليل لايستطيع إقصاء ( الذات ) ذات الكاتب أو المبدع عن التأثير فى أعماله أو شخصياته .... فتشعر وأنت تقرأ أن الكاتب هو المحرك لهذه الشخصيات .. وأنه الذى يبث فيها الأفكار ويحركها نحو الثورة على الواقع الثقيل الجاثم فوق صدرها .. وعلى سبيل المثال شخصية الشاويش حسنين فى قصة ( يسقط الملك ) .. وهى قصة مركزة ومكثفة وتعكس حال المطحونين إلى الدرجة التى ينقلب فيها الحارس المظلوم على سيده أو سادته الذين ظلموه.. وقد استخدم الكاتب فيها ضمير الغائب ليحمل الشخصية مايريد لها أن تحمله وما ينبغى عليها أن تفعله دون مباشرة ..لتنطلق من القيد الذى تم وضعه فى رقبتها .. وعلى شخصيات قصة ( حكاية ضابط طويل القامة ) يطرح عباءته الثورية والسياسية .. وايضا قصة ( ثورة الحمير الكبرى ) .. وهكذا باقى القصص .. وبالتالى فإن ذلك يؤكد أهمية سؤال ( أندريه جرين ) حول المدى الذى يؤثرفيه الكاتب على شخصياته .. ويطرح من السؤال سؤالا آخر :هل من الممكن عدم إقامة أى علاقة بين الإنسان وإبداعه ؟.. والإجابة إذن فمن أين يقتات هذا الإبداع إن لم يكن الكاتب يملك هذه العين الزائدة التى تعمل عنده – كما أشرنا – سواء كانت هذه العين عينا راصدة بوعى حاد أو لاقطة بتلقائية وطبيعية .. تختزن الحدث واللقطة ثم تستعيدها أو تسترجعها فى الوقت المناسب لتفرزها لنا إبداعا جميلا .. وهذا مافعله رضا الأشرم مع قصصه .. حيث نجدهذه الذات الملتحمة مع ذوات الآخرين.. ولنأخذ مثلا من قصة ( الكلب) .. حيث يؤكد إلتحام هذه الذات مع الشعور بمسؤليتها عن الآخرين :( الليل موعده وميدانه .. ليلتها كانت الظلمة حالكة .. ولما نبح لم أنشغل به ..بل لم أفكر فيه مطلقا .. إذ كثيرا ماتنبح الكلاب ليلا فى بلدتنا .. كتلة سوداء متحركة تندفع نحوى .. بعينيه المدورتين اللتين تقدحان شررا سد الطريق على .. راح ينبح مبرزا أسنانه وأنيابه اللامعة.. تراجعت خطوة .. خطوتين ..بينمت تقدم بنباحه القصير المتواصل .. وفى غمضة عين فررت من أمامه فلاحقنى.. درت وبحذائى ضربته) ..
هنا نرى شخصية الراوى قد امتزجت تماما بالمشكلات العامة مستخدما ضمير المتكلم لتأكيد حقيقة عدم إمكانية فصل أو إقصاء ذات الكاتب عن كتابته ..
موضوعات القصص :
ان رسالة الأدب والفن بصفة عامة كما يقول بعض الكتاب والنقاد هى طرح الاسئلة وإثارة المشكلات .. وأرى أن كل قصص المجموعة تطرح أسئلة وتثير بعض المشكلات .. فقصة يسقط الملك تدور كلها فى فى فلك السياسة .. بل وأزعم أنها تعبر عن موقف شخصى ومضمون ذاتى للكاتب وتطرح سؤالا كبيرا عن الحرية والخوف .. وهذا يمنحها " قيمة مضافة " باصطلاحات الإقتصاديين تجعل قارئ هذه القصص لا ينصرف عن القراءة مللا أوضيقا وغير ذلك من الأسباب التى تصرف عن القراءة .. بل يستمر فى السباحة مستمتعا ومشاركا الكاتب فى موضوعه .. وقد تساعده القصة على طرح أسئلة جديدة لم تدر فى ذهن الكاتب وهو يكتب .
وقد لاحظت أن هناك وجه شبه بين موضوعات أو أفكار بعض القصص أو الدلالات .. مثل قصة الصياد والنهر , والتوتة , القارب الذى غاص .. وهذا لا يمثل عيبا فنيا لكن قد يتم تفسيره بالتكرار الذى قد يدفع القارىء الى الملل أو بمحدودية مخزون التجارب الذى يعتمد عليه المبدع .
التشابه أو التكرار فى هذه القصص يقع بين شخصية الصياد فى قصة (( الصياد والنهر )) وبين شخصية الجد فى (( القارب الذى غاص )) وبين الشخصيتين وشخصية الحارس فى قصة (( التوتة )) .
" يسقط الملك " " ثوار وفئران " , وهى قصة تحمل " رؤية سياسية بارعة الذكاء " و " ثورة الحمير " قصة جيدة أيضا من حيث التناول والبناء الفنى حيث نجح الكاتب فى مزج الواقعى بالفنتازى عن تراجيديا السياسة عبر لغة تحمل فانتازيا الحياة اليومية .. ومآسيها التى لاتنتهى .
الشخصيات بصفة عامة شخصيات محبطة .. مهيضة .. مستضعفة.. وفى معظم القصص نستكشف مواقف لشخصيات كلها تعانى من الإحباط والإنكسار.. لكن بعض هذه الشخصيات يبدى الشجاعة ويقاوم فى ثبات .. مثل شخصية الصياد فى قصة (( الصياد والنهر )) وشخصية الجد فى قصة (( القارب الذى غاص )) والذى ظل يقاوم حتى آخر لحظة عندما تكأكأ عليه كارهوه وأغرقوه مع قاربه لرفضه الانصياع اليهم وهى قصة تشير ببراعة إلى التسلط والفساد الذى يتغلغل فى الطغمة الحاكمة . أيضا شخصية الشاويش حسنين فى قصة (( يسقط الملك )) حيث بدأ المقاومة انتقاما لقتلة ابنه بكتابة جملة (( يسقط الملك )) وكأنه يبشر أو يطلق شرارة الرفض لجلاديه والثورة عليهم .. ثم فى النهاية لم يجبن ويعلن مسئوليته عن كتابة الجملة بل ويعيد كتابتها مرة ثانية وثالثة .
وهكذا ينقل لنا الكاتب من خلال هذه القصص رؤاه ومشاعره تجاه قضايا مجتمعه .. ونبض هذا المجتمع فى مواجهة إنكساراته وهزائمه ..وينجح في نقل مايريد من مضامين وأفكار من خلال ما يعرف بالأسلوب المشهدي الذي استخدمه الكاتب الأمريكي ( هنري جيمس ) .. وهذا الأسلوب مقصود به رؤية الكاتب المحايده للحدث .. حيث الراوي القاص يساوي الشخصية القصصية تماماً . ويبدو ممتزجاً بشخصياته كأنهم نسيج واحد يغوص في أعماقهم ويعرف عنهم ويستخرج من أعماقهم كل شيئ .
أيضاَ فإن لغة السرد في هذه المجموعة عالية .. سواء السرد في اللغة أو السرد في الحكي .. بل وينجح في توظيف ودمج لغة السرد الحكائي في بنية السرد اللغوي بطريقة تشد المتلقي أو القارئ .. وتجعله شديد الإرتباط باللقطة القصصية حتى ينتهي منها فيتوقف ليفكر ويتأمل ..و يقول كلمته أو يكون بناء نصه الشخصي عن القصة كما قلنا .
وهكذا ينقل لنا الكاتب رضا الأشرم من خلال هذه المجموعة المتميزةبعض شخصياته التي تترجم - كما قلنا - قضايا ومشاكل المجتمع .
( نهايات القصص وطرح الأسئلة )
ولأن جملة الإبتداء كما قال( إدجار الان بو) شديدة الأهمية أضيفإإعتقادى أن جملة النهاية لا تقل أهمية عن جملة البداية .
فكيف انتهت قصص المجموعة ؟..
( الصياد والنهر ) راحت ضحكاته تدوي بين جنبات النهر فوق أمواجه المتهادية .. والصياد العجوز يجدف ناحية الجنوب بقوة وثقة .
( معونة الشتاء ) قالت وقلبها يرتجف : بابا أنا بردانة .
( الشرفة الذهبية ) ولم أدهش لما حدث ..فبمجرد مرور يدي عل الجير إختفى وانمحى وكأنه كان ظلاً وزال .
( التوتة ) حاول الحارس وهو داخل العربة أن يرى شجرته من بعيد إلا أن الغبار المتطاير والكثيف الذي أثارته السيارتان حجب شجرة التوت .
( يسقط الملك ) ولما جاء دور الشاويش .. لم يمسك بالقلم أمام قائده وزملائه والخبير .. أخرج إصبع الطباشير من جيبه .. وبثبات شديد كتب نفس الجملة على الحائط فوق الأولى .. وكانت كلمة (( يسقط )) مستقيمة.. أما (( الملك )) فمائلة شيئاً ما .
( ثوار وفئران ) أما أنت فلا زلت لا تعرف شيئاً عن الفئران بعد .
( حكاية ضابط طويل القامة ) قام من فوره وصافحه .. شد على يده بقوة .. بثقة .. وقال لايزال يهز يده : عزيزي .. فلتقرأ ما سنكتبه صباح الغد ..
( ثورة الحمير الكبرى ) فانطلق الرصاص منها غزيراًيحصد الحمير حصداً .. فسالت الدماء على الأرض .. ولشدة غزارتها تكونت بحيرة دموية أبت أن تسيل نحو مجرى النهر .
( الرجل الضئيل ) وحينما تسلمت زوجته جثته .. تماسكت وصبت الدمع .. ولكنها انهارت وانتحبت لما سلموها متعلقاته ولم يكن المعطف من بينها .
( الكلب ) ظل يندفع الدم من الفم حتى خفت نباحه رويدا رويدا .. وسكنت الارتعاشة .. وأغمضت العينان وسقط الرأس .
( اللطمة ) هذا البلد لم يعد لنافيه معاش .. ولا تنسى أن فى السماء ربا إسمه الكريم .
( الذئب والكلاب ) وحين أطلوا برؤوسهم داخل الحظيرة .. عرفوا كُنه ما جرى فتراجعوا يمصمصون الشفاه .. ويخبط كل منهم كفا بكف ..
(( جدول الضرب )) راح يهذى بكلمات غير مفهومة .. حتى وقعت عيناه على حماره هنا هب مستأسدا ممسكا بعصاه .. مشمرا عن ساعديه و .... هنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
(( الرجل ذو الوجه المكتنز )) ذهل لما هب فيه الرجل .. اذ سمع صوت الصول الذى به اشتهر .. تراجع محدقا فيه بشدة .. ظل ينسحب بظهره خطوات .. وفى لحظة اعتدل وأطلق ساقيه تسابقان الريح .
(( الرسالة )) ولكن الوزير فوجىء بالطبيب يلقى بالملاءة البيضاء على وجه الملك – هنا جرى فرحا يزف البشرى الى ولى العهد .
(( وقائع جنازة مولانا عز الدين )) حلقت فوقه أسراب من الطيور لم يعهدها الناس قبل اليوم . صغيرة وكبيرة .. أنواعها مختلفة . وريشها ملون .. تصفر وتصيح وتزغرد الى أن أخفقت كل العيون .
(( الحصان )) فتكسرت العربة .. وشوهد الرجل يتدحرج فى دمه حتى سقط فى الترعة .. بينما وقف الحصان يتصبب عرقا ويرفع رأسه فلا يسمع سوى صوت الأجراس .
(( القارب الذى غاص )) ولما رأيت الماء يصل الى رقبة جدى والقارب يغوص تماما صرخت .. ورأيتهم يهرولون الى أعلى .. وإلتفت الى الماء فلم أعثر على جدى ولا على قاربه ( الذى لا يبين ) وجلست أبكى أنتظر خروجهما .
هكذا يتأكد لنا أن شخصيات القاص رضا الأشرم شخصيات منسحقة مكدودة مهمشة تعيش زمنا خانقا ضيقا .. شخصيات تعانى الظلم والمرارة وتكافح وتكابد من أجل حياة شريفة وفى ذات الوقت لا تستسلم أو تسقط بسهولة .. وإنما تضع نفسها فى مواجهة مع ظالميها .. من ثم فإن كل قصة من هذه القصص تطرح كثيرا من الأسئلة .. وهى إحدى وظائف الإبداع الأساسية ..
ملاحظات الصياغة الفنية
من المعلوم أن جملة زائدة فى السياق القصصى أو حتى كلمة لاتفيد المعنى أو تساهم فىتعميق الحدث وتركيزه تكون عائقا فى تلقى الحدث والتفاعل معه .. كما تؤثر أيضا فى تكوين وحدة الإنطباع ..
فى قصة ( الصياد والنهر ) يقول رضا : كان الصبح قد تنفس ولم يبق للظلام من أثر.. وفى السطر الثانى: فالوجوه حمر والعيون زرق.. وفى نفس القصة:فى قلبه هو لا فى قلب النهر.. وفى قصة ( الشرفة الذهبية )ص160 ( للغاية) .. زائدة .. السطر السادس ص 18,, فى الطابق الثامن ,,أنهم بصدد البحث عن سيارة .. رفعوا جرادلهم إلى ( الشرف )
فى قصة (( التوتة )) حقيقة يعرفها هذا القاص والدانى فى هذه الناحية كلها ..
فى قصة (( ثورة الحمير الكبرى )) فى السطر الأخير من ص35 ( والمعلقة على كتفه ) بينما كان فى قصة (الرجل الضئيل ) لم يكن أمامه ( من بد ) كصنبور عطب .
فى قصة (( وقائع جنازة مولانا عز الدين )) دخلوا البيت فالحجرة .. وهكذا على سبيل المثال تتناثر بعض الجمل أو الكلمات الزائدة فى سياق بعض القصص كان يمكن حذفها دون أن يؤثر ذلك على البناء الفنى كما توجد أيضا بعض الأخطاء اللغوية وهى قليلة جدا وقد تكون من المطبعة .. كما لاحظت أن الكاتب قد أنهى جميع القصص بكلمة " تمت " وهى كلمة أعتقد أنها تصدم القارىء .. وكأنما المبدع أو الكاتب يقول له ( شكرا) لا تفكر فقد إنتهى كل شىء أو ( تصبح على خير ) .. أتمنى أن يتدارك ذلك فى مجموعته القادمة .
فى النهاية أقول بثقة وصدق أن فضاءات المبدع رضا الأشرم فضاءات ثرية بالتجارب والخبرات الحياتية والرؤى والأفكار الإبداعية القابلة للبناء والعطاء القصصى المتميز فى عالم القصة القصيرة الساحر .. ويجعله ذلك قادرا ومسيطرا وممسكا بتلابيب المتلقى .. يملك أيضا عينا لاقطة وبصيرة واعية تخترق كثيرا من الغرائبية الفكرية وقريحة ثاقبة قادرة على كشف خفايا وأسرار النفس الانسانية فى صراعاتها اليومية العادية يسردها بقلم يقطر صدقا حياتيا وفنيا فى وقت واحد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.