طالعتنا - في الآونة الأخيرة - آراء تنعي القصة القصيرة. وتجد فيها فنا متلاشياً. في مقابل الرواية التي تتأكد سطوتها. بحيث صار الزمن هو زمنها بالفعل. وقد وجدت تلك الآراء ما يقلل من موضوعيتها في توالي إبداعات القصة القصيرة في الكتب والصحف والدوريات. والحق أنه من الصعب ان ننظر إلي القصة القصيرة كأنها فصل في رواية. أو ننظر إلي الفصل في الرواية - في المقابل - باعتباره قصة قصيرة. لم تعد وحدة الفنون مما يثير الأسئلة. إفادة كل فن من الفنون الأخري يطالعنا في معظم الإبداعات. لكن العمل الإبداعي يجب ان تظل له الملامح التي تؤكد مذاقه المختلف. وهويته الخاصة. إذا اختلطت الملامح. فإنها ستنتهي إلي التشوه. قد تتضمن القصة القصيرة خصائص للرواية: السرد. اللغة. المونولوج الداخلي. تيار الوعي.. قد تتضمن القصة القصيرة ذلك كله. لكنها ينبغي أن تظل قصة قصيرة بمقومات هذا الفن. وليس بالاتكاء الساذج علي فن الرواية. وما يجب ان تشتمل عليه من مقومات وخصائص. هذه المجموعة الجديدة لعبدالناصر العطيفي تأكيد علي تجدد الحياة في فن القصة القصيرة وتستمد تجددها من ميلها إلي التجريب. وإلي تقديم إبداعات تنتسب إلي العصر الذي نحياه. وإلي تداخل الفنون بما يشكل ظاهرة يصعب فيها أن نهمل فناً ما مقابلا للاحتفاء بفنون أخري. معظم قصص المجموعة علي لسان الراوي. وهو يقوم بدور أساسي في أحداث قصته التي تكتب - غالبا - بصيغة المتكلم. فهي تجاوز صفتها كمجرد تجربة أدبية. لتصبح فعلا إنسانياً عميقاً. والراوي مجهول الاسم. يسمي الشخصيات والأماكن. لكنه يكتم اسمه. ولا يتحدث عن ملامحه الجسدية. إنما يترك للقارئ تخمين الملامح والقسمات في توالي المواقف. ومن خلال التعبير عن الذات. مقابلا للتعبير عن ذوات الآخرين. الأفكار والآراء والأماني والتطلعات والمناقشات. تدفع بتصور الملامح الجسدية للشخصية من خلال التعرف إلي أعماق النفس. وما يمور في داخلها من مشاعر ونوازع. الفنان مهموم سياسياً. تشغله القضايا المصرية. وقضايا الوطن العربي جميعاً. ولأن القضية الفلسطينية هي الآن خبزنا وغموسنا وهمنا المشترك. فإن تأثيراتها تبين في العديد من قصص المجموعة. العديد من القصص ينبض بإدانة للهجمة الصهيونية الشرسة. ولمحاولات الهيمنة الاستعمارية الأمريكية. ويدين - في الوقت نفسه - ما يرين علي بلادنا من صور التخلف والتبعية وفقدان الانتماء. ثمة وعي يغيب - للأسف - عن كثير من مثقفينا الذين لم يدركوا بعد أبعاد القضية الفلسطينية. وخطورة المأزق الذي تحياه الأمة العربية في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ومساندة القوي الاستعمارية الكبري له في ممارساته. الفنان يمتلك قدرة طيبة علي الملاحظة. وعلي التقاط الجزئيات. وإجادة التصوير. فضلا عن إجادته تضفير المكون الواقعي. الحياة المعاشة. بالموروث الأسطوري والفانتازي. كما تتسم اللغة بالبساطة والقدرة والإحكام. والبعد عن الجمل الزخرفية.