تفاءلت حين أطلق رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.. ومبعث تفاؤلي أن رأس الحكومة يعترف بوجود فساد يقتضي مكافحته ولم يتعامل معه علي طريقة الحكومات السابقة "ودن من طين. وأخري من عجين". فأولي خطوات حل المشكلة هو الاعتراف بوجودها والاعتراف هنا يعكس إرادة سياسية تؤكد عزم الدولة اجتثاث هذا الفساد من التربة المصرية التي توطن فيها عبر عشرات السنين حتي تعايش المواطن معه تعايشه مع أمراضه المزمنة التي تفتك بجسده. لكنه لا يملك لها دفعاً.. وقد أصاب المهندس محلب كبد الحقيقة حين أكد خلال الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد أن العائق الحقيقي لمكافحة الفساد عندنا عائق تراكمي. ينعكس في أداء الخدمات للمواطنين. ما يعني أن مقاومته عملية اجتماعية متكاملة. فالموظف المرتشي الفاسد أو الساكت عن الفساد هو نتاج هذا المجتمع. ومن ثم فالمقاومة لابد أن تكون جماعية.. لكن هذا لا يعفي الحكومة من مباشرة مسئوليتها في الحفاظ علي الدولة. أصولها ومواردها واستقرارها. وهو ما ينادي به الرئيس السيسي كأولوية قصوي في هذه المرحلة. ما يعني بالضرورة الأخذ بقوة علي أيدي الفاسدين والمفسدين في كل مكان لمنعهم من تبديد فرصة التنمية والانطلاق بهذا الوطن. "فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". والضمائر الفاسدة "تخاف ماتختشيش". وسؤالي للحكومة هل جري تفعيل سياسات وآليات مكافحة الفساد بمنهجية واضحة. وهل تم تطوير الإجراءات القضائية لتحقيق العدالة الناجزة. وإطلاق يد الأجهزة الرقابية وما أكثرها في ملاحقة المفسدين. وعدم الاكتفاء بتقارير الإدانة التي تقدم لجهة الاختصاص وانتظار الردود والتعقيبات.. وماذا فعلت اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء لهذا الغرض.. وكيف يجري التعامل مع ما يطفو علي السطح من وقائع فساد لاتزال مثاراً للجدل والتساؤلات. ما كشف عنه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بأن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وحدها أضاعت علي الدولة نحو 370 مليار جنيه "وهو رقم يفوق عجز الموازنة بنحو 15 ملياراً" "الوطن 18/12" كما جري إهدار نحو ملياري جنيه أخري "الوفد 27/12" في كافة قطاعات الصحة يعد اختباراً لاستراتيجية الحكومة في مكافحة الفساد ومحاسبة المسئولين والمتورطين في إهدار المال العام..!! إن ما وصلت إليه حالة المستشفيات عامة حكومية وخاصة لا يمكن السكوت عليه. فتكلفة سوء الخدمة باتت أعلي من تكلفة تقديم الخدمة الصحية التي يتحملها المريض والدولة والحكومة.. فما بالنا لو جري استخدام 98% من حصيلة تحسين هذه الخدمة كمكافآت للعاملين ومرتبات للمستشارين بما يجاوز 47 مليون جنيه بالمخالفة للقانون. ناهيك عن ضياع 158 مليوناً بسبب اعتماد مبالغ لتنفيذ مشروعات تعثرت جراء عدم إجراء الدراسات اللازمة لها. كما أهدر التخبط في القرارات الوزارية بإنشاء عدد من مستشفيات التكامل الصحي في محافظات عدة. ثم النكوص عنها وإلغائها وتحويلها لمركز طب الأسرة نحو 157 مليوناً أخري. ورغم كل هذا فقد تحسنت درجة مصر في مؤشرات الفساد هذا العام وفقاً لمنظمة الشفافية العالمية.. وهذا سبب آخر للتفاؤل رغم منغصات التقارير المحاسبية.. ولايزال الأمل معقوداً علي الحكومة في كبح جماح هذا الفساد. وتحقيق العدالة الناجزة. والقصاص من المفسدين.