لم يشهد التاريخ البشري قديمه ووسيطه وحديثه حرية مطلقة للفكر والإبداع كما شهدها تاريخ الإسلام وحضارة الإسلام الذي يسعي الارهابيون سافكو الدماء في العراق وسوريا وليبيا وسيناء الآن لتشويهه وتدمير صورته أمام العالم بدعم من الغرب ومن تركيا عدو العرب والمسلمين. يحتاج المثقفون الآن أن ينظموا صفوفهم لكشف هذه الحقيقة أمام العالم.. فحرية الفكر والإبداع والبحث العلمي والاجتهاد حرية مطلقة في الحضارة الإسلامية وهي الأكثر نصوعا حتي هذه اللحظة رغم كل ادعاءات حقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تكفل هذه الحريات.. وهذا ما توقف عنده أدباء الإسكندرية من سائر الأجيال والتوجهات الفنية في ندوة موسعة أقامها فرع اتحاد الكتاب وأدارها أشرف دسوقي علي بمشاركة عشرات المبدعين والنقاد منهم أحمد مبارك ومحمد طعيمة ومحمد الفخراني ومحمد نظمي ود. محمد شحاتة ود. جيهان سلام ومحمد ياسين الفيل وسهير شكري ورشاد بلال ومنال أحمد وكمال مهدي ومني منصور والسيد أبوسريع ومحمد فراج وحسني الجنكوري ومحمد شريف ومحمد وهبة وعبدالله بندق في مبادرة لتصحيح مفهوم العلاقة بين حرية الفكر والإبداع من ناحية والإسلام حضارة وتاريخا من ناحية أخري. توقف المتحدثون عن حالة الحريات الفكرية قبل الإسلام والتي كانت شبه معدومة لدي الرومان مثلا إلي حد تحريض البابا كيرلس بطرك الإسكندرية علي قتل الفيلسوفة المصرية العظيمة هيباتيا استاذة الفلسفة بجامعة الاسكندرية عام 415 م وسحلها في الشوارع وتمزيق جسدها وتركه فريسة للكلاب الجائعة!! لمجرد اختلاف هيباتيا مع الكنيسة في الرأي!! وقريبا من هذا التاريخ في القرن الرابع الميلادي راح بطرك القسطنطينية المسمي "فم الذهب" يفخر بأن جميع كتب الوثنية يقصد العلم والفلسفة قد زالت من الوجود!! ويذكر أمري ريفز في كتابه "تحليل السلام" ان ملايين المسيحيين قتلوا علي يد مسيحيين آخرين لمجرد انتسابهم للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية أو الكنيسة البروتستانتية وكان ختام هذا العصر المظلم بشأن حريات الفكر والإبداع متمثلاً في إحراق عملاء بيزنطة لمكتبة الإسكندرية حتي يتراجع الدور العلمي والحضار لمصر وهو نفس الهدف الذي اختلق الغرب أوروبا وأمريكا وحليفته تركيا هذه الكيانات الارهابية الدموية من أجله لتكبيل مصر ومنعها من التطور وقيادة أمتها العربية الإسلامية. ذكر الأدباء في ندوة فرع الاتحاد ان وجهاً آخر بدا واضحا في حضارة الاسلام وجه الحرية المطلقة بدون أية عوائق ولا قيود منذ نزول الإسلام والوقائع لا حصر لها منها ان عبدالله بن عباس أعلم علماء الأمة كان جالساً في المسجد الحرام يجيب عن تساؤلات نافع بن الأزرق الخارجي ومن معه حين دخل عليهم الشاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة فتي قريش المدلل فانصرف إليه ابن عباس وطلب إليه أن يسمع شعره فأنشده عمر قصيدته : أمن آل نعم أنت باد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر ولم يعبأ ابن عباس باعتراض "نافع" بل تحولت الجلسة إلي انشاد الشعر!!! وظل احترام الإبداع مقدساً لدي كبار وفقهاء المسلمين وظلوا حريصين علي المواهب إلي حد أن أبا حنيفة النعمان كان له جار يعود كل ليلة سكران ويغني "أضاعوني وأي فتي أضاعوا.. ليوم كريهة وسداد ثغر" بصوت جميل وحين افتقده أبو حنيفة سأل عنه فقيل له : تم سجنه. فذهب وأطلقه!! وفي معقل نزول الوحي ببلاد الحجاز نبغ جيش من المغنين في زمن واحد كان منهم جميلة وطويس والدلال وبرد الفؤاد وتومة الضحي ورحمة وهبة الله ومعبد ومالك وابن عائشة ونافع بن طنبورة وعزة الميلاد وحباية وسلامة وبلبلة ولذة العيش وسعيدة والزرقاء وبعضهم شعراء غزل وتشبيب ووصف بالإضافة إلي كونهم مغنيين وموسيقيين. ولم يتعرض أحد بأذي لشاعر مسيحي هو الأخطل التغلبي وهو يهجو بني هاشم في العصر الأموي. كما شاع شعر المجون والغزل الصريح من خلال عشرات الشعراء في سائر العصور ومنهم بشار وديك الجن ومسلم بن الوحيد ووالبة بن الحباب وأبونواس وولادة بنت المستكفي وآخرون من الشعوبيين والمناوئين للعروبة والإسلام من اللغويين والنحاة أمثال أبي عبيدة معمر بن المتني كما ازدهرت نزعات الفلسفة والتصوف والمذاهب كمذهب الاعتزال ولم يكن هنالك من قهر لأي اجتهاد والوسيلة الوحيدة كانت الحوار مع المختلفين سواء من المذاهب الجديدة أو اليهود والمسيحيين والسريان والمجوس والصائبة وغيرهم. ذكر أشرف دسوقي علي ان الحرية مثلت في الإسلام مناط الحياة فما بالنا بحرية الفكر والابداع خاصة اذا كان اختيار القصيدة نفسها أمرا حرا في قوله تعالي "لكم دينكم ولي دين" و"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وسوف تندهش إذا عدنا الآن لكتبنا التراثية ورأيناهم بكل هذه الحرية في تناول كل شيء بدون قيود ولا حواجز. ورأت د. جيهان سلام ان للمرأة مبدعة وناقدة نصيباً وافراً في هذه الحرية حتي ان السيدة سكينة بنت الحسين كانت تعقد في دارها بمكة صالوناً يتواتر عليه الشعراء أمثال كثيرة عزة وتناقشهم في إبداعهم وهنالك طابور طويل من الشاعرات الإماء مثل عريب وفضل اضافة إلي الاسم الشهير في مجال التحرر وهو ولادة بنت المستكفي. وتتساءل سهير شكري عما دفع بعض الفئات إلي العنف والإرهاب والتطرف بادعاء الدين؟! انه الانحراف عن الدين من أجل الوصول للسلطة. رشاد بلال أضاف ان جوهر الاسلام هو الحرية وكان عمر بن الخطاب بكل شدته يدافع عن الشاعر الحطيئة وخصص له دخلاً ثابتا ليكف عن الهجاء ومقولته "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" أصبحت المادة الأولي في الميثاق العالمي لحقوق الانسان. أحمد مبارك يؤكد ان لدينا موضوعين في غاية الأهمية هما حرية الابداع من منظور اسلامي وكذلك المؤامرة الصهيو أمريكية لخطف الثورات العربية وتفريغها من محتواها بل وتحويلها إلي التخريب.. لأجل هذا صححنا ثورة 25 يناير بثورة 30 يونية وما نراه الآن من شائعة الإرهاب والدماء باسم الإسلام هو نوع جديد من الحروب الصليبية الموجهة ضدنا. يذكر محمد الفخراني ان جانبا كان غائبا عنا من حرية الابداع في حضارتنا هو عمارة المساجد وما تتسم به من قمة الانطلاق والحرية ونري هذه الحرية في سائر معالمنا الكبيرة المتناثرة في شرق العالم الاسلامي وغربه مثل جامع قرطبة وجامع أحمد بن طولون وضريح تيمور لنك وقصر غرناطة كلها تدل علي سعة ورحابة في الأفق الاسلامي بلا حدود ولا قيود. يذكر محمد طعيمة انه علينا الفصل في الحديث عن الصحابة خاصة معاوية بن أبي سفيان بين كونه مستولياً علي السلطة من آل علي وبين كونه من المبشرين بالجنة.. وهذا يقودنا إلي الموضوعية في الحكم علي الإبداع بعيدا عن الانتماء الديني أو السياسي أو الجنسي أو المذهبي. يضيف محمد ياسين الفيل ان السيدة سكينة كانت تملك حساً نقدياً وتعد الناقدة الثانية بعد الخنساء واهتمامها بالأدب والأدباء لم يفسد ورعها وتقواها.. وقد وصلت المرأة الشاعرة إلي قمة حريتها في حضارة الاسلام ولدينا نموذج أم الضحاك المحاربية في هذا الصدد وقصائدها الغزلية الجريئة وهذه الحرية كانت جزءا أصيلا من طبيعة الانسان العربي قبل الاسلام فأقرها الإسلام وأضاف إليها. عبدالله بندق: الإبداع لا يتأتي إلا لأنقياء النفوس لا للمشوهين روحا وعقلا ولذا فالنظرة المتصفحة لإبداع الغرب تطلعنا علي أشكال من المسخ لا من الحرية الحقيقية وقد صدروا لنا حرية المرأة علي سبيل التجارة والابتذال. بينما حرية المرأة الحقيقية لم تكن إلا في الإسلام. محمد نظمي : الحرية ليست الفوضي كما يرغب البعض في تصديرها إلينا. انها متاحة بما لا يضر المجتمع وعلينا ألا نعادي من نختلف معهم في الرأي. بل الحوار هو الوسيلة.. ولذا فأنا قلق من قانون حماية ثورتي 25 يناير و30 يونية!! نأمل أن يحمي الثورة فعلا ولا ينتقص في الوقت نفسه من الحريات.