تصريح اللواء مصطفي يسري محافظ أسوان بأن الشباب لا يعاني من البطالة لكنه يبغي الوظيفة الحكومية.. ذكرني بمقولة للواء أحمد همام عطية محافظ أسيوط الأسبق.. أنهم يريدون العمل بالحكومة حتي لا يعملوا. الواقع يؤيد المقولتين.. فموظف الحكومة مازال محتفظاً بالوظيفة الميري رغم الثروة الكبيرة التي حققها من تجارة الملابس الجاهزة واحتكار توريد زي المدارس.. أما المقاول المعروف فظل محتفظاً بوظيفته كعامل خدمة معاونة في وحدة صحية.. لكنه كان أحسن حالاً من صاحبنا تاجر الملابس فأخذ اجازة بدون مرتب.. وكلاهما ثروته تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات. وهكذا اينما تولي وجهك تجد الجميع موظفين في الحكومة.. الميكانيكي والكهربائي والنجار وسائق التاكسي.. لا يعتمدون علي المرتب وغالباً يتركونه لمن يوقع لهم في دفاتر الحضور والانصراف يغطي علي انقطاعهم الدائم عن العمل الذي لا يحتاج إليهم ولا يحتاجون إليه. إن هذا الواقع المسكوت عنه له نتائج كارثية.. تتجاوز إهدار الموارد إلي إعلاء القدوات السيئة والتحريض علي إفساد الذمم وقتل الضمائر إضافة لما وصلنا إليه من تثاقل في حركة الجهاز الإداري للدولة حتي بات غير قادر علي التجاوب مع أوامر القيادة وتطلعات الشعب. لاشك أن جانباً مهماً من أسباب هذه الظاهرة العجيبة يدور حول الثقافة التي سادت المجتمع لعقود.. لكن هناك أسباباً مادية يتعين أخذها في الاعتبار ومعالجتها تشريعياً واقتصادياً بشجاعة وعلي نحو ملائم.. أسباب شكلت هذه الثقافة وستبقي عليها ما بقيت الوظيفة الميري هي المصدر الوحيد لمعاش التقاعد والعلاج المجاني.. والاستمرار علي "الدرجة" بغض النظر عن قيمة الأداء وحاجة العمل. القضية تبدو كبيرة بالنظر إلي "تعداد" الموظفين الذي يبلغ 6 ملايين.. لكن منفذ صغير قادر علي إفراغ خزان هائل.. ومنفذنا أن يكون للعمل الحر والوظيفة في القطاع الخاص امتيازات تفوق الوظيفة الميري.. عندها سيحدث التوازن تلقائياً.. لكن علينا أن نبدأ.