لم أكن أتابع برامج التليفزيون. انشغل في القراءة وأجد في مواده التي نادرا ما أتابعها باعثا للونس.. والونس إن كنت لا تعلم تعني الرفقة والصداقة والحميمية ثم اجتذبني الفيلم.. المقدمة التي بدأ بها دفعتني إلي ترك ما بيدي ومشاهدته. أصارحك بأني أرفض مشاهدة أفلام الغرب الأمريكي إنها -عدا استثناءات قليلة- تمجد الرجل الأبيض فهو يمثل المدنية والتقدم والسلام بينما الهندي الأحمر يمثل الهمجية والتخلف وغريزة القتل.. بداية الفيلم أشارت إلي أحداث حقيقية توضح الوسائل التي اتبعها الاستعمار الأوروبي حتي يفرض وجوده في أرض الهنود الحمر.. فهو -لأكثر من سبب- يستدعي المتابعة. الفيلم -واسمه "كسر الأغلال"- يتحدث عن مقاومة الهنود الحمر للغزو الذي هدد الأرض والحرية وهدد الحياة نفسها كان أول ما حرص عليه الذكاء الأوروبي هو النفاذ في وحدة قبائل الهنود وتفتيتها. استمال الفرنسيون بعض القبائل واستمال الإنجليز قبائل أخري. وسقط الكثير من جنود الفرنسيين والإنجليز في معارك السيطرة علي الأرض الجديدة وسقط الكثير من الهنود الحمر في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما يقول المثل.. وكان المنطقي أن يتجهوا بأسلحتهم ضد الغزو إطلاقا انشغلت الخطوة التالية بتصفية الوجود الهندي والتخلص من أصحاب الأرض بممارسة الوقيعة بين القبائل الموحدة وتأليب كل قبيلة علي الأخري.. واكتفي الأوروبيون بالفرجة علي معارك قبائل الهنود حتي استنفدت قوي أبناء الوطن الواحد لم يعد إلا ست قبائل حرصت علي الوحدة فهي لا تخضع لمحاولات للفرقة. وتجد في الرجل الأبيض مستعمرا يجب محاربته.. لجأ المستعمر إلي سلاح جديد فقد أعطي الذهب مقابلا للأرض ثقة بأنه سيمتلك الذهب والأرض معا بعد أن يندثر الهندي الأحمر! وعادت معارك قبائل الهنود غذاها المستعمر بالمؤامرات والفتن والأسلحة وارتدي في ذلك كله قناع رجل السلام الذي يسعي لمصالحة المتعاركين ويعقد الاتفاقات التي تفرض الأمن والاستقرار ثم قدمت النهاية التي أجاد الرجل الأبيض نسج خيوطها فواجه الهنود الحمر حقيقة أنهم فقدوا الأرض فهي لم تعد ملكا لهم وفقدوا حق الحياة فوقها.. وصارحتهم هندية عجوز بالقول: لم تحسنوا الحفاظ علي أرضكم. استبدلتموها بالذهب والمغريات التافهة حتي ضاعت الأرض والحياة.. ونتذكر مقولة الأم العجوز لآخر ملوك العرب في الأندلس: لا تبك كالنساء علي ملك لم تحافظ عليه كالرجال! وترك بقايا الهنود الحمر أنفسهم لمن يقودهم إلي أرض أخري يقضون فيها آخر أيامهم!.. أحداث الفيلم تذكرنا بالمأزق الذي نواجهه.. بالمؤامرة التي تنسج خيوطها حول رقابنا منذ تسلل الاستعمار الصهيوني إلي بلادنا بمحاولة تحقيق حلم الاستيطان بالعديد من الأساليب في الغواية والفرقة والمعارك وتوقيع معاهدات السلام التي لا تعدو هدنة قبل أن تبدأ جولة أخري للمزيد من الابتلاع!.. مع أن أحداث الفيلم قد انتهت بانتصار المستعمر الأوروبي بل ولأنها انتهت بانتصار الرجل الأبيض علي الهندي الأحمر فإني تمنيت أن يعمم عرض الفيلم علي تجمعاتنا: الجامعات والمدارس والأندية يشاهده كل المواطنين العرب يتعرفون في أحداثه إلي المخطط الذي يشاركون بإرادتهم أو برغمهم في تنفيذه كل ما واجهه الهنود الحمر حتي وجدت القبيلة المتبقية نفسها منفية عن بلادها يواجهه وطننا العربي منذ مطالع القرن الماضي كأنه سيناريو يعاد تصويره نشارك فيه بأدوار رئيسية وهامشية ونشارك بالفرجة والمأساة إن لم ننتبه قادمة.. فهل ندرك أبعادها؟