العقارب والثعابين جزء من حياتنا قليل منا من لم يصب بلدغاتها أو يخلو جسده من سمومها فنحن نعيش في قري منسية في بطن الجبل لا يعلم عنا المسئولون شيئاً ولم نر في حياتنا رئيساً للمدينة أو حتي القرية وليستمع لمشاكلنا. هكذا يتحدث الأهالي في العشرات من القري والنجوع المتاخمة للمناطق الصحراوية بل أنهم يعتبرون أنفسهم خارج نطاق الخدمة رغم تفاؤلهم بعد القيام بثورتين عظيمتين. بعض هذه القري نالها قليل من التطوير وأنشئت بها الوحدات الصحية والمدارس ودخلتها المياه النقية بينما أكثرها لا يعرف شيئاً عن هذه الخدمات إلا أنهم جميعاً يشتركون في معاناتهم الأزلية من انتشار العقارب والثعابين ويعتبرونها من طبيعة المكان ومكوناته إلا أن مصيبتهم في اختفاء الأمصال سواء في القري التي يوجد بها وحدات صحية أو غيرها ويضطرون للسير مسافات طويلة حتي الوصول لأقرب مستشفي وكثيراً ما تفاقمت حالة المصاب وأحياناً يلقي مصرعه قبل وصوله للمستشفي حكايات كثيرة يرويها أهالي القري عن طرق مقاومتهم للدغات العقارب والثعابين وعن المآسي الموجعة التي نتجت عن هذه اللدغات في ظل غياب حكومي كامل. البداية من نجع حاجر الجبل التابع لقرية دندرة بقنا حيث يقول نصر سعد الألماني "بقال" أنه بطبيعة المنطقة الصحراوية التي نعيش فيها فإن وجود العقارب والثعابين بكثرة يعد أمراً طبيعياً وأصبح شيئاً مألوفاً فهي جزء من حياتنا ولا يمر يوم أو يومان إلا ونعثر علي عقرب أو ثعبان ونقتله أو يصاب أحدنا بلدغاتهم. أضاف أن العقارب والثعابين أنواع وأشدهم تلك التي تسكن أعماق الجبال مثل عقرب الشمس الجبلية ذات اللون الأصفر الداكن وهناك الحية ذات القرنين وهي من أشد وأصعب الأنواع خطورة نظراً للانتشار السريع لسمومها في الجسد المصاب وغالباً ما يموت من يصاب بلدغتها ولا يوجد سبيل للانقاذ سوي بالبتر السريع للجزء المصاب سواء كان في الساق أو الذراع. يوضح أن أهالي النجع أصبحوا ماهرين في العلاج البدوي السريع للدغات العقارب والثعابين حيث يتم ربط المنطقة المصابة بقطعة قماش لوقف انتشار السم في الجسد ويتم منع المصاب من تناول الماء مع اكل فص من الثوم وليمونة واذا ساءت الحالة يتم اخذه إلي أحد المشايخ أو الحواة لعلاجه. يؤكد قرشي علي "مزارع" أنه منذ إنشاء الوحدة الصحية بالقرية لم نر يوما بها أمصال للعقرب والثعبان والحال لا يختلف كثيراً اذا ذهبنا إلي المستشفي القروي بدندرة ولا يصبح أمامنا إلا الذهاب إلي المستشفي العام بمدينة قنا والتي تبعد عنا أكثر من 8 كيلو مترات تستغرق منا وقتاً طويلاً نظراً لوعورة الطريق مما يمثل خطورة كبيرة علي حياة المصاب وحدثت أكثر من حالة وفاة لهذا السبب حتي سيارات الاسعاف لا تستجيب اذا طلبناها واذا استجابت تأتي متأخرة جدا ولهم العذر في هذه النقطة نظراً لأن الطريق غير ممهد وتم رصف نصفه منذ عدة أعوام وترك الباقي عبارة عن تربه زلطية وحفر مطبات. يضيف أن الأدهي من ذلك انه منذ 4 سنوات تم إغلاق الوحدة الصحية بالقرية لاجراء اعمال الصيانة بها وطوال هذه الفترة نحن محرومون من ابسط الخدمات الصحية بما فيها أمصال تطعيم الأطفال ولا ندري متي تنتهي هذه الأعمال؟! يضيف سعد إبراهيم طايع مزارع أنه لم يتم الاكتفاء بما نعاني منه بل ازداد الأمر سوءا حيث تم إنشاء مصرف زراعي يسمي ترعة الملاح لتصريف المياه المالحة من الأراضي الزراعية إلا أن قيام سيارات الكسح الخاصة بالوحدة المحلية لمركز ومدينة قنا بتفريغ مياه الصرف الصحي بها أدي إلي ظهور نباتات الهيش وتحولت الترعة إلي ملجأ للعقارب والثعابين والحشرات الضارة الأخري حيث تقوم بمهاجمتنا ليلاً ونهاراً وحولت حياتنا إلي جحيم حتي أن بعض الأهالي القادرين تركوا المنطقة القريبة من الترعة إلي منازل أخري. أحمد سيد مدرس ويقيم بنجع الشيخ جابر بالقرية يقول إن اسم النجع أطلق علي اسم الشيخ جابر الذي كان بارعا في علاج لدغات العقارب والثعابين وكان يلجأ إليه جميع أهالي نجوع القرية وبعد وفاته تولي ابنه ومن بعده حفيده المسئولية فيما يعرف بالعهد أو القسم نسبة إلي طريقة العلاج حيث يقوم الشيخ بتلاوة بعض الآيات القرآنية والأدعية التي يطلق عليها القسم أو العهد وعن طريقها يحدد مكان اللدغة ثم يقوم بتشريطه بشفرة ويمتص السم بعدها بفمه ثم يقوم بعمل "اللبخة" وهي عبارة عن خلطة من مجموعة النباتات تضم الثوم والبصل والمولوخية اليابسة والعسل بالإضافة إلي نوع من المراهم البدائية التي يتم تصنيعها في منزل الشيخ ويتم وضع "اللبخة" علي مكان اللدغة وربطها في المنطقة المصابة لمدة يوم كامل ويتم الشفاء تماماً. أكد شعوره بالمرارة للاستمرار في الاعتماد علي هذه الطرق البدائية بعدما شهده العالم من تقدم علمي. أضاف عادل عبدالموجود ناشط حقوقي أن المآسي التي تم رصدها بسبب غياب الأمصال وصعوبة الوصول للوحدات الصحية أو المستشفيات كثيرة حيث قام مزارع بعرب الصحبة بقطع جزء من قدم نجله بالفاس بعد أصابته بلدغة ثعبان في الزراعات خوفا من انتشار السم ووفاته بينما اضطر السيد عبدالشافي بحاجر الترامسة لاستخدام قطعة حديدية قديمة لتشريط يد ابن شقيقه بعد اصابته بلدغة عقرب أثناء تواجدهما في الأراضي المستصلحة بالمنطقة الصحراوية المجاورة للقرية ويبدو أن القطعة الحديدية كانت ملوثة فأصيب الطفل بغرغرينا وتم قطع اليد كما حدثت أكثر من حالة وفاة بلدغات العقارب في القري والنجوع المتاخمة للصحراء. أما أهالي قريتي المناصرة ودير العجايبي بصحراء نجع حمادي فمعاناتهم مزدوجة كما يقول كرم عبده أحمد أحد أهالي فرغم وجود الوحدة الصحية إلا أنها بلا طبيب ولا يوجد بها أي أمصال رغم ما نعانيه من انتشار العقارب والثعابين أما الأشد مرارة فهو الطريق المؤدي إلي المستشفي العام بنجع حمادي والذي يبعد عن القرية 12 كيلو مترا حيث قام أحد أصحبا النفوذ بوقف أعمال الرصف في الطريق منذ عامين وتم تركه عبارة عن حفر ومطبات مما يؤدي إلي وصولنا إلي المستشفي بعد أكثر من ساعة!! لا يختلف الحال في قري العجمي والكويت والعزب المصري بدشنا حيث يؤكد ياسر خلف الله مزارع أن الأهالي يعتمدون في علاج لدغات العقارب والثعابين علي الحاوي وأبناء سيدي الرفاعي الذين يقومون بتلاوة القسم داخل المنازل لإبعاد العقارب والثعابين وعودتها إلي الجبال كما يقومون بعلاج المصابين أما الأمصال فلا نعرف شيئاً عنها رغم وجود الوحدة الصحية التي تم إنشاؤها بشكل جميل ولكنها مجرد ديكور!! يضيف عبدالعليم مبارك من قرية أبودياب غرب أن الوحدة الصحية مغلقة منذ ثلاث سنوات بعد أن تركها المقاول الذي يقوم بتجديدها ومازلنا في انتظار استكمال أعمال التطوير وغياب الأمصال وتطعيمات الأطفال يزيد من معاناة الأهالي في ظل انتشار العقارب والثعابين. من جهته أكد الدكتور أيمن خضاري وكيل مديرية الشئون الصحية أن جميع الأمصال والتطعيمات متوفرة في جميع المستشفيات العامة والمركزية والوحدات الصحية القروية ويوجد بها مخزون احتياطي كاف لعدة أيام وأضاف أنه نظراً لأن الأمصال والتطعيمات لها وضع خاص نظراً لاهميتها الكبيرة فإنه يتم ارسال تقرير يومي لوزارة الصحة بالمخزون والاحتياجات المطلوبة منها ويتم توفيره فوراً ولذلك فإنه لم تحدث أي شكوي من وصول مصاب لأي وحدة صحية أو مستشفي ولم يجد الأمصال. أضاف أنه بالنسبة للوحدات الصحية التي يجري تطويرها أو إحلالها وتجديدها فإنه يتم اتخاذ مقر مؤقت لها في أي مكان في القرية مثل المدرسة أو مركز الشباب لتقديم الخدمات الصحية الضرورية أو العاجلة.