ظللت - لأعوام طويلة أشعر اني صبي في ورشة اسطواتها هم ديستويفسكي وبلزاك وفلوبير والمازني ويحيي حقي ونجيب محفوظ وديكنز وكافكا ومارسيل بروست وكامي وغيرهم وكنت اتلمس التعلم في انجاز كل واحد من هؤلاء المبدعين الاسطوات: اللغة والتقنية واجادة التقاط التفصيلات.. الخ والآن فإن قلة من ادباء الأجيال السابقة - عربا وأجانب - من كان لهم تأثير حقيقي علي كتاباتي أو غيروا نظرتي إلي العالم أو إلي تقنية الكتابة الروائية من أثروا في - لفرط اعجابي بهم - تأثيرا حاسما. احب الابداع الذي يغير نظرتي إلي الأمور ويثير في داخلي الاسئلة والملاحظات والمعاني التي ربما كانت غائبة مع وفرة قراءاتي فإنه من الصعب ان اتحدث عن كتاب ما بأنه حدد مسار حياتي أو بدل هذا المسار ولعله يجدر بي ان اشير إلي قول جان جاك روسو ان الكاتب الذي يفكر بعقله هو لا بعقل غيره هو رجل حر" المعني نفسه - تقريبا - تذهب إليه آسيا جبار بقولها ان الحرية هي امكانية كتابة ما نستطيعه وما نريده. الأصل في الابداع هو الحرية وان اشار البعض إلي انه عندما يدور الصراع في داخل الفنان بين حرية الابداع واخلاقيات المجتمع فإنه يجب أن ينتصر للخيار الثاني الفنان فرد كمبدع لكنه - كمواطن - عضو - عضو في مجتمع يصعب ان يهمل معتقداته وتقاليده واعرافه. أنا اكتب اعمالي كما لو اني - للأسف - لست مواطنا عربيا كما لو اني لا احيا في الوطن العربي. العفوية التي احرص عليها - في اثناء عملية الكتابة - توازيها حرية في التفكير والمقولة لا اتعمد الرمز أو التصريح كل عمل يفرض نفسه علي النحو الذي يختاره ولعلي أفضل ان يكتب العمل نفسه فأنا ابدأ كتابته وخاطري مشغول بفكرة أو رؤية أو تفصيلات غير محددة وقد يغلف ذلك كله هلاميات لا تهب ملامح محددة فيكتسب العمل - أثناء كتابته - ملامحه وتفصيلاته وتتخلق شخوص واحداث ربما لم تكن في بالي حين بدأت الكتابة. ثمة قصص كثيرة وروايات طال احتفاظي بها في الدرج لأني كتبتها بجرأة الفنان وترددت في نشرها بقلق المرء الذي ينتمي إلي مجتمع له قيمة ومثله. اتفهم قول الطاهر بن جلون "باريس اشعرتني بأن كل المجالات مفتوحة" ان يشعر المبدع بأن كل الأبواب مفتوحة وكل النوافذ مفتوحة وان المخبرين والبصاصين والرقباء وغيرهم من اصحاب المهن السيئة السمعة يغيبون حتي عن خاطره فلا تشغله الا الكتابة في حرية لابد للابداع أن يرتبط بالحرية لا قيمة للابداع ولا معني له ما لم يتحرك في مساحة بلا آفاق تنتهي إليها. أوافق كافكا علي قوله ان العمل الذهني يفصل المرء عن الجماعة الإنسانية لكن العمل اليدوي يقود الانسان إلي الناس: مع ذلك فقد حاولت - دوما - ان اقترب من الناس ان احيا مشكلاتهم وما يعانون. جارثيا ماركيث يعلن ان رواياته لا تضم سطرا واحدا لا يستند إلي الواقع. الواقع لا يهبنا فحسب ما ألفت العين رؤيته انه يحفل بالكثير مما يبدو غرائبيا وغير مألوف. اذكرك بالرجل الذي أوقف تنفيذ حكم الاعدام فيه بعد ان وضعت حول رقبته انشوطة المشنقة!