بدأت مصر صفحة جديدة زاهية من جميع جوانبها السياسية والاجتماعية والفنية مع دخول الفاطميين فاتحين عام 345ه أسسوا فيها امبراطورية عظيمة دانت لها شعوب افريقيا الشمالية وبلاد الشام.. استطاع الفاطميون أن يرتفعوا بالقاهرة في عصرهم إلي مرتبة لا تقل عن بغداد في مجدها الأول.. بنوا القصور والمساجد وساعد عليه ثراء مصر الذي بالغ المؤرخون في وصفه. قال ناصر خسرو عن قصر الخليفة الفاطمي به ثلاثون ألفاً من الخدم والجواري وأنه رأي يوم فتح الخليج وهذا أحد الأعياد في العصر الفاطمي سرادقاً نصب للسلطان علي رأس الخليج وكان من الديباج الرومي موشي كله بالذهب ومكلل بالجواهر وهو من السعة بحيث يتسع ظله لمائة فارس ويسير في ركاب السلطان عشرة آلاف فارس بسروج مذهبة.. ومن يرجع إلي ما روي عن ثورة الأتراك في عصر المستنصر أثناء المجاعة العامة بمصر يري بزخ الفاطميين.. هجم الأتراك ونهبوا ما فيه من التحف والطرف وباعوها بأبخس الأثمان فمن ذلك سبحة من الاحجار الكريمة قدرت بثمانية آلاف دينار وصندوق من الجواهر قدر بثلاثمائة ألف دينار وأربع عشرة كيلة من الجواهر وكثير من أواني الذهب والفضة وأربعمائة صندوق من الذهب وحصيرة منسوجة بالذهب زنتها ثمانية عشر رطلاً وشطرنج رقعته من الحرير وقطعة من الذهب والفضة والعاج والأبنوس المحلي بالاحجار الكريمة وطاووس من الذهب والفضة والعاج والأبنوس المحلي بالأحجار الكريمة ومضرب الوزير البازوري كلفة ثلاثين ألف دينار واشتغل في صنعته مائة وخمسون فناناً مدة تسع سنوات. يقول المقريزي إن بنتاً للمعز تركت بعد موتها ألف ألف دينار وسبعمائة ألف ويقول صاحب النجوم الزاهرة أن ابنة للحاكم تركت تيفاً وثمانين زيراً مملوءة مسكاً.. وكان إقطاعها في السنة خمسين ألف دينار.. وإذا تركنا قصر الخلفاء إلي الوزراء وجدنا ابن منجب يقول: إن أقطاع يعقوب ابن كلي أول وزرائهم كان مائة ألف دينار في العام وقد خلف بعد موته من الجواهر ما قيمته أربعمائة ألف دينار من البز "الثياب والسلاح" ما قيمته خمسمائة ألف دينار وقد ترك الأفضل بن بدر الجمالي الذي قتله الخليفة الآمر ستمائة ألف دينار عنباً ومائتين وخمسين أردباً دراهم نقد مصر وخمسة وسبعين ألف ثوب أطلسي.. هذه قصص من الحكام الذين نهبوا ثروات مصر منذ أكثر من ألف عام ومازال الشعب يعيش ومصر واقفة علي قدميها.. مصر العظيمة سوف تبقي واللصوص ذاهبون.. والسؤال الذي يطرح نفسه أين الفاطميون لم يبق منهم إلا ما تركوه من عمل صالح في مصر وجامع شاهد علي إنجاز عظيم هو الجامع الأزهر الذي أسس في ذلك العهد خرج منه الفقهاء والعلماء وأناروا العالم ولكن ما أخذه الحكام وما ارتكبوه من ظلم سوف يبقي عليهم أمام الله حينما يقبض الدنيا بيمينه ويقول أين المتكبرون أين الجبارون أين الملوك أنا الملك كل واحد سوف يلاقي الله بعمله إما خيراً أو شراً.