الحسيني أمينا لصندوق اتحاد المهن الطبية وسالم وحمدي أعضاء بالمجلس    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    نائب محافظ الإسماعيلية يتفقد مستوى النظافة العامة والتعامل مع الإشغالات والتعديات    الجيش الأمريكي يدرس إنشاء قاعدة عسكرية قرب غزة تستوعب 10 آلاف فرد    اتهام رجل أعمال مقرب من زيلينسكي باختلاس 100 مليون دولار في قطاع الطاقة    قائد الجيش الأوكراني يُقر ب"تدهور ملحوظ" في زابوريجيا    تصالح الإعلامي توفيق عكاشة وعمال حفر بعد مشاجرة الكمبوند ب 6 أكتوبر    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    ارتبط بشائعة مع فنانة شهيرة ويظهر دائمًا ب«فورمة الجيم».. 18 معلومة عن أحمد تيمور زوج مي عز الدين    جناح لجنة مصر للأفلام يجذب اهتماما عالميا فى السوق الأمريكية للأفلام بلوس أنجلوس    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    وفد السياحة يبحث استعدادات موسم الحج وخدمات الضيافة    نقيب الإعلاميين: الإعلام الرقمي شريك أساسي في التطوير.. والذكاء الاصطناعي فرصة لا تهديد.    خبير طاقة: الكشف البترولي الجديد بالصحراء الغربية "جيد جدا".. نسعى للمزيد    موعد إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025 (متى يتم قبول الطعون؟)    تنسيقية شباب الأحزاب عن الانتخابات : شهدت تطبيقا كاملا لتعليمات الهيئة الوطنية ومعايير الشفافية    «بنداري» يشيد بوعي الناخبين في المرحلة الأولى من انتخابات النواب    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار فونج-وونج بالفلبين ل 25 قتيلا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. روسيا تمنع 30 مواطنا يابانيا من دخول البلاد.. اشتباكات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين فى طوباس.. وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلة يقدم استقالته لنتنياهو    خروقات إسرائيلية متواصلة لاتفاق غزة. ودعوة أممية لإيصال المساعدات وأمريكا تُخطط لإنشاء قاعدة عسكرية بالقطاع    بيان رسمي من خوان بيزيرا بشأن تجاهل مصافحة وزير الرياضة بنهائي السوبر    منتخب مصر الثاني يخوض تدريباته استعدادًا للجزائر    «ميقدرش يعمل معايا كده».. ميدو يفتح النار على زيزو بعد تصرفه الأخير    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    الغندور يكشف حقيقة تدخل حسام حسن في استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ الفيوم يتابع أعمال غلق لجان التصويت في ختام اليوم الثاني    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عمليات الفرز في لجان محافظة الجيزة    أمطار غزيرة وثلج .. بيان مهم بشأن حالة الطقس: 24 ساعة ونستقبل العاصفة الرعدية    في ظروف غامضة.. سقوط فتاة من الطابق الرابع بمنزلها بالمحلة الكبرى    مصرع شخص غرقًا في دمياط والأهالي تنتشل الجثمان    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    مي سليم تطلق أغنية "تراكمات" على طريقة الفيديو كليب    السفير التركي: العلاقات مع مصر تدخل مرحلة تعاون استراتيجي شامل    قلق وعدم رضا.. علامات أزمة منتصف العمر عند الرجال بعد قصة فيلم «السلم والثعبان 2»    «القط ميحبش إلا خناقه».. 3 أبراج تتشاجر يوميًا لكن لا تتحمل الخصام الطويل    لماذا نحب مهرجان القاهرة السينمائي؟    السياحة تصدر ضوابط ترخيص نمط جديد لشقق الإجازات Holiday Home    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصون السبعة.. السيرة الشعبية لمحاربة الإمام على لملك الجان الكافر «الحلقة الثانية»
نشر في التحرير يوم 11 - 07 - 2013


يقدمها ويحققها: علاء عريبى
فى حوالى عام 1886م، بعد أربع سنوات من فشل الثورة العرابية بسبب خيانة الخديو وبعض النخب المصرية، واحتلال القوات الإنجليزية البلاد، عاش الشعب المصرى أسوأ سنوات القهر والظلم والشعور بالعجز، وقد حاول أن ينسى أو يتناسى مرارة الهزيمة وانكسار حلم أن تكون: «مصر للمصريين»، فاستسلم البعض للغيبيات وللخرافات وإلى كل ما يجعله لا يرى الواقع بمرارته، على أمل أن يظهر عرابى آخر ينقذهم من القهر، ووسط هذا المناخ كان الرواة الشعبيون يؤججون هذه الأحاسيس بالقصص الشعبية الخرافية التى قد تعين على الصبر وتفتح بابًا للأمل فى ظهور البطل القادر على تخليصهم من هذا العجز والانكسار، وذلك برواية قصص أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد والأميرة ذات الهمة وغيرها من قصص الأبطال التى تسرى عنهم وتجعلهم يتوافقون مع الواقع، وكانت تروى هذه القصص شفاهة فى المقاهى ومناطق السمر.
بعد ظهور الطباعة نشرت هذه السير الشعبية بين دفتى كتاب، حيث قامت بعض دور الطباعة بجمع هذه القصص الخرافية وإتاحتها للقراءة بعد أن كانت تروى على ربابة فى الحوارى والموالد والمقاهى والأسواق، وكان من بين هذه القصص سيرة شعبية بطلها الإمام على بن أبى طالب، نسج خيوطها وأحداثها وصور شخوصها أحد الرواة الشعبيين من الشيعة الإمامية، من هو؟ وفى أى عصر عاش؟ وما جنسيته؟ وهل القصة التى ألفها رواها على المستمعين أم أنه دفع بها لأحد الرواة المهرة؟ وهل ألفها باللغة العربية أم الفارسية؟
كل ما نعرفه أن قصة الحصون السبعة، أو حروب الإمام على بن أبى طالب ضد الهضام بن الحجاف ملك الجن، قد وصلتنا فى مصر من خلال أحد الرواة، اختلفوا حول حياته ومصداقيته، اسمه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى، البعض أرجعه إلى القرن السادس الهجرى، والبعض الآخر، وهو الأقرب، نسبه إلى القرن الثالث الهجرى، وقد شككت مصادر السنة فى مصداقيته، وأكدت كذبه، وقيل: إنه أكذب من مسيلمة، قال الذهبى فى الميزان: «فما أجهله وأقل حياءه، ما روى حرفًا واحدًا من العلم بسند، ويُقرأ له فى سوق الكتبيين كتاب (ضياء الأنوار) و(رأس الغول) و(شر الدهر) وكتاب (كلندجة)، و(حصن الدولاب)، وكتاب (الحصون السبعة) وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام على معه وغير ذلك»، وذكر فى شرح مجانى الأدب بأنه: «صاحب كتاب الأنوار والسرور والأفكار فى مولد محمد، وله أيضا كتاب الحكم وغير ذلك، ولا يوثق بروايته، كان يخلق الكلام كثير الكذب، توفى فى أواسط القرن الثالث الهجرى»، وقد وصفه القلقشندى أيضا بالكذب فى صبح الأعشى، والصفدى فى الوافى بالوفيات، كما أن السمهودى (ت 922ه) اتهمه أيضا بالكذب، وكذلك ابن حجر ووصفه بالدجال، قال: «إنه يحوك القصص الباطلة».
تختلف سيرة الحصون السبعة عن السير الشعبية التى نعرفها، مثل أبو زيد الهلالى، والأميرة ذات الهمة، وعنترة بن شداد وغيرها فى أنها تنطلق من شخصيات تاريخية دينية إلى شخصيات ووقائع خيالية، كما أنها تضفى معجزات وقدرات لا بشرية للإمام على بن أبى طالب تفوق قدرات ومعجزات النبى والإنسان بشكل عام.
يحكى البكرى فى هذه السيرة أن أحد الجان المسلمين جاء إلى رسول الله يشكو له ملك الجان الكفرة، أكد له أنه يسخر قبيلته وبعض قبائل الجن لعبادة الأصنام، وأنه صنع صنمًا وجعل له حفرة سماها النار وأخرى الجنة يعاقب ويحسن فيها لأتباعه، وطلب من الرسول أن يساعدهم على التخلص منه ومن جبروته وكفره، وأكد أن الإمام على بن أبى طالب الوحيد الذى يستطيع هزيمته والقضاء عليه، وتذكر السيرة أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن ابن عمه الإمام على بن أبى طالب هو المكلف بالقضاء على هذا الجن الكافر واسمه الهضام بن الحجاف، وفى السيرة نشاهد الرسول الكريم وهو يستحلف الإمام على أن يوافق على الخروج إليه، هذه السيرة التى رواها أحمد بن عبد الله البكرى المنسوب إلى الشيعة، رويت على لسان الإمام على بن أبى طالب، حيث نسبها البكرى إلى الإمام على رضى الله عنه، ولطرافتها ننشرها على أجزاء بعد أن قمنا بتعريف الأعلام الموجودة بها، وهى فى أغلبها شخصيات حقيقية، بعضها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، كما قمنا بتعريف الأماكن، وقمنا بشرح الكلمات الصعبة تيسيرًا على القارئ، ووضعنا كل هذا بين قوسين.
الهضام صنع صنمًا من الذهب ورصَّعه بالجواهر واليواقيت وجعل له جنة ونارًا
أمس بدأنا نشر السيرة الشعبية المسماة «الحصون السبعة» أو سيرة أو غزوة الإمام علىّ بن أبى طالب وسيره إلى الملك الهضام بن الجحاف وقطعه الحصون السبعة، وهى قصة شعبية خيالية من وضع المؤرخ القصصى الشيعى أبى الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكرى الذى عاش فى القرن السادس الهجرى، وقد جاء فى الحلقة الأولى أن النبى محمدًا عليه الصلاة والسلام كان فى جلسة مع بعض الصحابة، فدخل عليهم عرفطة بن شماخ جنى من المسلمين وألقى التحية، الرسول طلب منه أن يظهر نفسه للصحابة، وبعد أن ظهر فى صورة شيخ وتعارفوا استغاث عرفطة بالرسول أن ينقذ الجن المسلمين من الملك الهضام بن الجحاف الكافر الذى يعبد الأصنام، حيث إن الأخير يعذب الجن المسلم ويجبرهم على الارتداد عن الإسلام وعبادة صنمه الملقب ب«المنيع»، وقد رشح عرفطة الإمام علىّ بن أبى طالب لقيادة الجيش الذى سيرسله لمحاربة الهضام، وبعد انصرافه نزل جبريل عليه السلام على الرسول يحمل رسالة تكليف لعلىّ بن أبى طالب بالذهاب لمحاربة الهضام، ومن وهنا يبدأ الراوى حلقة اليوم:
قال الراوى: ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه وقال لهم: معاشر المسلمين هل فيكم من وصل إلى ديار اللعين الهضام بن الجحاف بن عون فيخبرنا بما شاهد من أبطاله وأعوانه وكفره وطغيانه، فقام عند ذلك رجل من المسلمين يقال له عبد الله بن أنيس الجهنى رحمة الله عليه (أنصارى، توفى سنة 74ه): هو الذى سأل الرسول عن ليلة القدر.
فقال: أنا أخشى أن يداخل قلبك الوهم والهم عن وصفى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا ابن أنيس فإنا لا نخاف مع الله أحدا.
فقال يا رسول الله: أنت بأبى وأمى أن خبره عظيم، إن الهضام بن الجحاف لما نظر إلى أصنام العرب التى يعبدونها من دون الله عز وجل، وجعل فى سماء القبة حجرا من المغناطيس، وفى أسفل القبة حجرا آخر، وعن يمين القبة حجرا، وعن يسارها حجرا يوازن بعضها بعضا ويعادل بعضها بعضا، وأوقف الصنم فى وسطها فى الهواء يجذبه كل حجر بقوته، وذلك الصنم مرصع بالجواهر واليواقيت (مفردها ياقوته: من الأحجار الكريمة) النفيسة وكساه بالحرير الملون، ونصب له كرسيا مرتفعا مكلَّلا بالدر والجواهر، وشده بقضبان الذهب الأحمر والفضة البيضاء، فما كان من العاج الأبيض كانت كواكبه من الذهب، وما كان من الأبنوس الأسود كانت كواكبه من الفضة البيضاء، جعل لتلك القبة بابا عظيما من الذهب الأحمر، وعلق على باب القبة سترا مزركشا، وعلق من داخل القبة قناديل من اللؤلؤ بسلاسل من ذهب يوقد بطيب الادهان (ط: الأذهان)، وبنى من خارج القبة بيتا عظيما مانعا بالعلو، وجعل سقف القبة من خشب الصندل وفصل أرضها وحيطانها بالرخام الملون، وجعل من ورائها بيتا آخر مثل البيت الأول، وما زال كذلك حتى جعلها سبعة بيوت على بعضها بعضا ولها سبعة أبواب، منها ما هو من العاج، ومنها ما هو من الأبنوس وغير ذلك، وقد ركب فى تلك البيوت جامات(مفردها جامة: وهى الزجاج) من البللور المختلف الألوان، فإذا طلعت الشمس على تلك الكواكب أشرق نورها على تلك البيوت والقبة، وجعل على كل باب حاجبا موكلا به، فإذا ورد إليه وارد أو قصد إليه قاصد من بعض الملوك أوقفه الحاجب الأول والثانى كذلك، حتى ينتهى إلى الباب السابع، وكلما جاوز بابا نظر إلى غيره، فإذا هو أعظم من الذى قبله، فإذا وصل إلى المكان الذى فيه عدو الله الهضام وجده جالسا على سريره (عرشه، كرسى الملك)، وقد أحدقت به جنوده والحجاب حوله، فإذا وقعت بين يديه أمره الهضام بقلع ثيابه فيقلعها ويلبسونه ثيابا غيرها، ويقولون له: إن ثيابك هذه عصيت فيها، فهى لا تصلح أن تدخل على الإله المنيع وأنت تطلب منه الغفران، ثم يدفع له خاتما من الحديد ويقولون له: إن هذا الخاتم الذى تريد به عفوه عنك، فإذا ثبت فى يدك فقد عفا عنك وقبل توبتك، ثم بعد ذلك يأمر الملك الهضام بفتح القبة لذلك الشخص، فإذا دخل على الصنم وجد فى نفسه شيئا، فيظن أن الصنم قد قربه إليه، فيقولون له أشد يدك على الخاتم ولا تخلعه فيغضب عليك الذى أنت طالب رضاه، وكلما قرب من الصنم جذبته السلسلة إلى ورائه، فإذا كان لا ينقلع الخاتم من يده يأمرونه بالسجود فيخر ساجدا، ولم يزل كذلك حتى يهتف به من جوف الصنم الشيطان الموكل به ويأمره بالقيام فيقوم فينذر ذلك الشخص مما أمكنه من الذهب والفضة أو جواهر أو جوار أو عبيد أو خيل قدر ما تصل إليه قوته، وقد استولى اللعين الهضام بهذه الحيل على أموال الناس.
فلما فرغ من ذلك خرج إلى فلاة (الأرض الواسعة المقفرة، ج: فلا وفلوات) عظيمة ملء الأرض فجمع الصناع، وأمر بحفر حفرة طويلة طولها أربعمائة ذراع وعرضها مثل ذلك، ثم جعل لها أساسا وبناها بالصخور العظام، وأوقف عليها ألف عبد أسود غلاظا، وأفرد لها ألف بعير يحملونها الأحطاب والأخشاب، وألف عبد يجمعون لهم ذلك ويحملونه إلى الحفرة، وألف يضرمون النار فى الليل والنهار، وسمى تلك الحفرة جهنم، حتى إذا مر بهم طائر احترق من شدة لهيبها، وبنى لها درجات عاليات، ولما فرغ من ذلك بنى دائرة واسعة طولها عشرون فرسخا (الفرسخ نحو خمسة كيلومترات) وعرضها مثل ذلك، وجعل طينها المسك والزعفران وأحجارها من جميع الألوان، مثل الأحمر والأصفر والأبيض والأخضر والأزرق، وغرس فيها الأشجار وجمع فيها كامل الأوصاف والأطيار، وبنى فى وسطها دكه بيضاء من الرخام المختلف الألوان، واتخذ فيها قصور وجعل سقوفها من الذهب الأحمر والفضة البيضاء، وجعل فيها مجالس وقبابا (مفردها: قبة) زاهرات، وفرش أرضها من العقيق الأحمر والسندس الأخضر، وجعل فيها جوارى أبكار كأنهن الأقمار، ونظم ذوائبهن بالدر والياقوت، ووكل بأبواب تلك المقاصير غلمانا مردا (الأمرد: الذى لم تنبت لحيته) جردا وسماهم الملائكة، عليهم حلل من أنواع الحرير وعلى رؤوسهم عمائم خضر، وجمع فى هذه المقاصير من الفواكه الصيفية والشتوية من أطيب الأثمار، وجعل فيها الأطيار تغرد على الأغصان بأنواع اللغات، وجعل فيها أصناف الطيب (العطر) المعجون بماء الورد من حول تلك المقاصير، وفيها الخمر مسكوب والعسل مصبوب واللبن محلوب يصب فى قنوات، فمن أطاع هذا الصنم أدخله هذه الجنة وتلذذ بنعيمها، ومن عصاه أدخله هذه النار يتلظى بجحيمها، وقد تزايد أمر هذا اللعين الجبار، وشاع بين العرب بشجاعته وعظم شره حتى لقبوه بمرارة الموت.
(قال الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال: يا ابن أنيس لقد حدثتنى عن أمر عظيم لم أسمع مثله قط، وأين أرضه وبلاده ومستقره؟ قال: يا رسول الله بأطراف اليمن مائلا إلى العمران فى واد يقال له وادى القمر، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أمير المؤمنين وحامى حوزة الدين، مفرق الكتائب ومظهر العجائب ومبدى الغرائب، الليث المحارب والغيث الساكب، والحسام القاضب ليث بنى غالب أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، فلما سمع نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب وثب قائما على قدميه وأنشد وجعل يقول شعر: لبيك من داع ومن منادى، لبيك نور الله فى البلاد، لبيك من داع إلى الرشاد، فرجت عنى كربة الفؤاد، قل ما تشاء يا أكبر العباد، أفديك بالآهلين والأولاد.
(قال الراوى) فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ضاحكا من قول الإمام علىّ كرم الله وجهه ورضى عنه، ثم أقبل الإمام علىّ النبى صلى الله عليه وسلم ووقف بين يديه، فضمه النبى صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقبله بين عينيه، وقال: معاشر المسلمين هذا على ابن عمى ووارث علمى، وزوج ابنتى وحامل رايتى، وسيف نقمتى، من أساء إليه أساء إلىّ، ومن أحسن إليه فقد أحسن إلى، ومن أحبه فقد أحبنى، ومن أبغضه فقد أبغضنى، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: أسمعت ما وصفه عبد الله بن أنيس الجهنى عن عدو الله هضام بن الجحاف وتجبره وكفره وجموحه؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن الله أمرنى أن أخبرك بهذا الخبر، وقد وعدنى ربى بنصرك وحفظك ورجوعك إلىّ سالما غانما، فماذا تقول؟ وأمر لك عصابة من المسلمين وجماعة من المؤمنين تسير فيهم إلى عدو الله الكافر وقد بلغنى بأنه تكاسر من الورود، وأن أكثر منهم مددا، وهو القادر على أن لا يبقى منها أحدا.
(قال الراوى) فأطرق الإمام علىّ رأسه، ثم رفع رأسه إلى النبى صلى الله عليه وسلم ونظر ولم يتكلم، ثم عاد إلى إطراقه ساعة ولم يتكلم، ثم عاودها ثالثا فعظم ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم، وقد تبين فى ذلك الوقت فى وجوه المنافقين وقال بعضهم لبعض: إن علىّ بن أبى طالب كره التوجه إلى الهضام ويحق له ذلك، ومن يقدر على وصف عبد الله بن أنيس؟ وتكلم المؤمنين على قد ما وصل إليهم وقال بعضهم: لا شك أنه يطلب جماعة يسير بهم إلى عدو الله ولكنه استحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر له ذلك، وقال بعضهم: إن عليا كره الخروج من غير جذع ولا فزع، وكثرت الأقوال بين الناس وعظم على النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا الحسن ما السكوت والتوانى برد الجواب ما أملت منك إلا أنك أمر مبادر وإلى ما أخبرتك مسارع، فهل لك من حاجة فتقضى أو كلمة فتمضى؟
(قال الراوى) فلما سمع ذلك الإمام علىّ كرم الله وجهه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم ضاحكا وقال: يا رسول الله حاجتى تقضيها كائنة ما كان، قال: نعم أى والذى بعثنى بالحق بشيرا ونذيرا أنى أقضيها إن وجدت إلى قضائها سبيلا، فقال الإمام علىّ رضى عنه: ألم تأتِك البشرى من عند المولى الكريم رب العالمين أن ترسلنى لهذا الأمر وضمن لك سلامى وحفظ رعايتى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نعم يا أبا الحسن، فقال الإمام علىّ كرم الله وجهه: إذا كان من يعصمنى ويسلمنى ويحفظنى لا حاجة بأحد غيره، ولا تبعث لهذا الأمر أحد سواى، فحسبى يا رسول الله نصر الله عز وجل وهو خير الناصرين، واسأل الله جلب المسرة إلى فؤادك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.