جاءني بوجه مضيء بشوش لم تفارقه الابتسامة حتي وهو يبكي.. شاب في الثالثة والعشرين يجلس علي كرسي متحرك ولا يتحرك فيه سوي رأسه لأنه يعاني من شلل رباعي. جاء محمود جبريل عبدالله في صحبة والده الذي يختلف عنه تماما حيث يحمل هموم الدنيا فوق رأسه ولم يتوقف عن البكاء لدرجة انه لم يقدر علي الكلام وترك ابنه يروي مأساتهم قال: امتحنني الله أنا واثنين من اخوتي بمرض لا يرحم ولا يرجي شفاؤه وهو ضمور العضلات الذي بدأ مع شقيقي الكبير ابراهيم عندما بلغ العاشرة من عمره ثم ظهر عندي بعده بعامين. بدأ بالساقين ثم زحف إلي الطرفين العلويين فكنا نمشي بصعوبة في بداية الأمر ولكننا فقدنا الحركة تماما بالتدريج حتي لم يعد لأحدنا أدني سيطرة علي أطرافه الأربعة نعتمد اعتمادا كليا علي والدنا بعد أن أصيبت أمي بخشونة مزمنة بالمفاصل وانزلاق غضروفي بسبب مشقة خدمتنا. منذ عدة شهور كانت الصدمة الثالثة بإصابة شقيقتنا الصغري بنفس المرض ليخيم الحزن علي بيتنا البسيط الذي يفتقر لأي شيء من وسائل الحياة الحديثة ولا يوجد به سوي الاثاث الضروري حيث توقف والدي عن العمل ليس فقط لانشغاله بخدمتنا ولكن لأنه ايضا بلغ من الكبر عتيا. كنت وشقيقي منتظمين في الدراسة بالأزهر حتي المرحلة الثانوية فتوقفنا بعد أن فقدنا الحركة تماما واصبح تعلمنا أمرا في غاية الصعوبة. مضت بنا الحياة ونحن نحاول التكيف مع حالنا نحتسب أجرنا علي الله حتي توفي أخي ابراهيم منذ عشرين يوما. امتزجت بداخلي مشاعر الحزن لفراقه بالفرح لأنه استراح من العذاب الذي لا يشعر بحجمه مثلي. هنا انسابت دموع محمود دون أن تختفي ابتسامته الجميلة وشعوره بالرضا مؤكدا انه لم يأت ليشكو حاله ولكن لنعينه علي تحمله بمساعدة والده برأسمال مشروع بسيط أو بشراء قطعة ماشية تدر عليهم دخلا ثابتا يعيشون منه وينفقون علي علاج شقيقته حتي لا تسوء حالتها مثله وليقدروا علي سداد ايجار المنزل الريفي البسيط الذي يبلغ 300 جنيه شهريا.