عرض أوبرا "كوزي فان توتي" من خلال فرقتنا المصرية يعد من الأحداث الفنية الهامة لأنها انتاج جديد يضاف لرصيد الفرقة بعد انقطاع طويل عن تقديم أعمال جديدة أيضا تعود أهميته إلي انه فيه استجابة لما سبق ان اثرناه علي هذه الصفحة من اعتراض علي تقديمها في شكل مقتطفات وطالبنا بان يقدم العمل كاملا في شكل احترافي يليق بهذه الفرقة ذات التاريخ وقد حدث هذا بالفعل وتم عرضه كاملا بالمسرح الكبير علي مدي 4 ليال. من ايجابيات العمل والتي سبق ان ذكرناها انه اعطي الفرصة لوجوه شابة وجيل جديد من المغنين وايضا قدم لنا مخرجا مصريا يسعي لتقديم الأعمال من خلال رؤية جديدة كما انه لأول مرة نري المايسترو أحمد الصعيدي يقود احدي أوبرات فرقتنا القومية وهذا يعد تصحيح مسار ومكسبا كبيرا. وأوبرا كوزي فان توتي والتي ترجمتها "هكذا يفعلن جميعا" صاغها الموسيقار النمساوي الشهير فولفجانج أماديوس موتسارت "1745 - 1791" وكتب نصها "الليبرتو" ألدو مونتي وكان ذلك عام 1790 أي قبل وفاة موتسارت بعام واحد وهي آخر أعماله الأوبرالية وعرضها الأول كان علي مسرح بيرج بفيينا في 26 يناير عام 1790 وتدور في قالب كوميدي حول طبيعة المرأة من خلال الخطيبين فيراندو وجليلمو اللذين يقومان بتنفيذ خطة لاختبار اخلاص حبيبتيهما "فيورديليجي" و"دورابيلا" متحديان صديقهما الفيلسوف "دون الفونسو" الذي يحاول اقناعهما بأن كل النساء متقلبات. إخراج جديد النص الأصلي الذي كتبه موتسارت تدور الاحداث في القرن الثامن عشر من ضابطين يقنعهما الفونسو ان يتنكرا في زي تاجرين وكل منهما يسعي لايقاع خطيبة صديقه في هواه وتساعدهما في ذلك الخامدة "دسبينا" أما في معالجة المخرج الشاب حازم رشدي نجد الأحداث تدور في القرن الحالي واضاف لها رقصات باليه من تصميم شريف رمضان والتي كانت تضيف ثراء أحيانا علي بعض المشاهد وأحيانا يشعر المشاهد انها تعطي ابعادا رمزية لكن في أغلب الأحيان كانت مقحمة و أحيانا تحدث تشتت في مواقع يجب التركيز فيها علي الموسيقي والغناء.. عناصر الإخراج الأخري مثل حركة الممثلين علي المسرح ووضوح الشخصية وابراز الجانب التمثيلي نجح فيهم المخرج المجتهد ولكن هناك علامات استفهام علي ملابس الرجال في هذا العرض حيث جاءت كملابس المهرجين كما ان التنكر لم يقنع المشاهد. وأوبرا "كوزي فان توتي" تعد من انضج أوبرات موتسارت الايطالية وتمثل حجر أساس في ريبوتوار الفرق العالمية وتتميز برشاقة في الالحان مع عمق الابعاد الدرامية الأوبرات تتكون من فاصلين ويؤديها 6 شخصيات تعد جميعها رئيسية ولكل منهم أغان فردية طويلة وصعبة بالاضافة للكورال الداخلي والخارجي وبشكل عام الجانب الموسيقي قدمه المايسترو الصعيدي بأمانة ودقة بداية من الافتتاحية التي تعد من أجمل موسيقات موتسارت وتميز هذا العمل بألحانها الرقيقة وعرضها الدرامي وتعد من الموسيقات المفضلة لدي عشاق الموسيقي وجاء اداؤها تمهيدا للمتفرج حيث اعطته ثقة انه سوف يستمع لأداء موسيقي جيد ومن ايجابيات العمل الواضحة الحفاظ علي لمحات الجمال والرنين الصوتي المميز الذي نسمعه من نغمات الهاربيسكورد الذي عزفها ببراعة جريج مارتن وايضا نغمات الكورال الداخلي والأغاني الجماعية مثل الثلاثي الرجالي في الفصل الأول. المغنون الغناء تم تقديمه كعادة الأوبرات المصرية من خلال طاقمين وقد حرصت علي رؤيتهما ومعظم المغنين سبق ان شاهدتهم في عرض المختارات الذي اقيم في فبراير الماضي لكن اعترف انهم هنا نضجوا وكان اداؤهم متقدما عما سبق واتضح تدريبهم واجتهادهم ولكن التي اشهدها لأول مرة ولم تشترك في المقتطفات كانت السبرانو رشا طلعت التي أدت دور فورديليجي وكانت مفاجأة طيبة في الغناء والاداء التمثيلي وتجلي ذلك واضحا في اغنية "أيها الرجال المتهورون" و"ثابت كالصخرة في وجه الريح" وأغنيتها في الفصل الثاني "ارحم يا حبيبي وسامح" أما نظيرتها السبرانو دينا اسكندر ادت بصورة طيبة في الفاصل الأول أما الفاصل الثاني لم تتمكن من ان تتماشي مع الايقاع النشط التي تعزفه الموسيقي ولم تتمكن من احداث التنقلات السريعة التي تحتاجها الآرية الأخيرة وعن أدوار دور البطولة النسائية الثانية "دور ابيلا" تفوقت الميتزوسبرانو أمينة خيرت التي أبدعت في آرية "الألم الذي لا يرحم" في الفصل الاول والتي استطاعت ان تعبر فيها عن الشعور بالأسي لافتقادها حبيبها ثم تغني في الفصل الثاني الأغنية "الحب لص صغير" وتنجح في التعبير عن هذه المشاعر المتناقضة ولا ننكر ان الميتزوسبرانو التي تبادلت معها الدور "نوريستا الميرغني" كانت جيدة جدا أيضا.. أما السبرانو الثالثة والتي أدت دور دسبينا فكان التفوق من نصيب انجي محسن حيث انه دور درامي متنوع رسمه موتسارت دراميا بعناية كما انها ذات صوت براق واضح وزادت بجمال آرية "ألا ما اشقي حياة الخادمة" وايضا كانت جالين رفيق جيدة إلي حد ما وبذلت جهدا أما بالنسبة للبطولة الرجالي كان عودة رءوف زيدان الذي قام بدور دون الفونسو من أهم ايجابيات هذا العمل وقد أدي هذا الدور الذي يحتاج قدرة تمثيلية وغنائية درامية كبيرة.. أما ابطال العرض كل من التينور عمرو مدحت وهشام الجندي واللذين تبادلا دور فيراندو كانا علي مستوي جيد في التمثيل والغناء وتفوق عمرو مدحت في آريا "تنهيدة الحب" التي بها تنقل بين النغمات العالية والمنخفضة أما البطل الثاني عزت غانم "باص" الذي أدي بمفرده دور جاليلمو طوال ايام العرض ولا أدري لماذا حيث انه دور طويل ويتم من خلاله اداء اغنيتين طويلتين ولكن شاهدته في اليوم الثاني للعمل فكان مرهقا وصوته في النوت المنخفضة غير براق ولم تكتمل الأغنية التي يؤديها في الفصل الثاني ويبدو انه كان مريضا حيث انني عندما شاهدته في المقتطفات منذ شهرين كان جيدا ولكن في اليوم الثالث للعرض والذي جاء بعد فترة راحة كان مالكا للنغمات إلي حد كبير لكن عامة ارجو ان تتخلص الفرقة من طريقة الطاقمين وان يكون العرض بطاقم واحد علي أيام متفرقة إلا في حالة وجود طاقم اجنبي يحتك به المصري ويأخذ خبرته. وأخيرا العمل جاد وانتاج طيب واختيار موفق ان يكون ضمن الرصيد الفني للفرقة وجهد مشكور من الشباب المصري ونقطة جيدة تحسب لمديرة الفرقة د.إيمان مصطفي.