عرض "هكذا يفعلن جميعا" الذي قدمته فرقة أوبرا القاهرة بالمسرح الكبيرعلي مدي يومين حدث فني يستحق إلقاء الضوء عليه لأنه يدل علي أمرين متناقضين الأول أنه أعطي الفرصة لوجوه شابة وجيل جديد من المغنين وأيضاً قدم لنا مخرجا مصريا يسعي لتقديم الأعمال من خلال رؤية جديدة وهذا ايجابي أما الأمر الثاني السلبي نلاحظ ان هناك تراجعا من الاحتراف الي عمل الهواة وأنه ليس هناك اهتمام بتقديم انتاج جديد يواكب التطور العالمي ويدخل الي نطاق المنافسة في هذا المجال وانما تشعر إنك أمام وجوه شابة ولكن في فرقة مصابة بالشيخوخة والوهن ولا ندري هل المشكلة تكمن في غياب الرؤية والتخطيط السليم أم في العجز المادي ونقص الميزانيات أم في الاثنين؟؟؟!!!! والعرض الذي أثار كل هذا في عقلي أثناء مشاهدته يعد من أمتع أوبرات المؤلف العالمي موتسارت "1756-1791" وأكثرها نضجا وأصعبها من حيث الغناء بمعني أنها تحتاج احترافا عالياً في التناول وقد ذهبت لأشاهدها كعمل متكامل ولكنني فوجئت إنها مجرد مقتطفات غنائية متنوعة من العمل رغم أنها من الأوبرات القصيرة نسبيا حيث إنها فصلان فقط والغريب انهم قدموها من خلال ديكور وأزياء وإخراج ولهذا كان من الأمور التي تثير علامات التعجب لماذا لا يتم تقديمها كاملة؟؟؟؟!!!! وأوبرا كوزي فان توت والتي ترجمتها "هكذا يفعلن جميعا" لحنها موتسارت وكتب نصها "الليبرتو" ألدو مونتي والذي كتب أيضاً "زواج فيجارو" و"دون جيوفاني" كان ذلك عام 1790 أي قبل وفاة موتسارت بعام واحد وهي آخر أعماله الأوبرالية وتدور في قالب كوميدي حول طبيعة المرأة من خلال الخطيبين فيراندو وجليمو اللذين يقومان بتنفيذ خطة لاختبار اخلاص حبيبتيهما "فيورديليجي" و"دورابيلا" متحديان صديقهما الفيلسوف "دون الفونسو" الذي يحاول إقناعهما بأن كل النساء متقلبات.. والعمل سبق تقديمه بالقاهرة والاسكندرية في مارس عام 1995 من خلال فرقة شباب أوبرا فيينا النمساوية بمصاحبة أوركسترا القاهرة السيمفوني بقيادة المايسترو ليوبليتنر واخراج ميشائيل تيمه وكان عرضا علي درجة عالية جداً من الجمال والاتقان والاحتراف الذي افتقدته للأسف في هذا العرض. رؤية إخراجية النص الأصلي الذي كتبه موتسارت تدور الأحداث في القرن الثامن عشر من ضابطين يقنعهما "الفونسو" ان يتنكرا في زي تاجرين وكل منهما يسعي لايقاع خطيبة صديقه في هواه وتساعدهما في ذلك الخادمة "دسبينا" أما في معالجة حازم رشدي نجد الأحداث تدور في القرن الحالي في إحدي قاعات البلياردو وجعلهم يتنكرون في ملابس مزركشة غير واضح ما المقصود منها.. وكان الجانب التمثيلي عند الجميع جيدا والحركة المسرحية معقولة وبالتحديد في الأغاني الخماسية والكورال ولكن الحركة في الأغاني الفردية وبالذات في النصف الثاني جاءت علي شكل الجالا كونسرت والتي يجعلنا نأسف علي الجهد المبذول في هذا الديكور الذي صممه محمد الغرباوي في تصميم الرقصات لشريف رمضان وفي رؤية المخرج المسرحية التي أفسدها أيضاً ارتفاع الأوركسترا في الحفرة الذي كان مشوشا علي الخشبة المسرحية وما يدور عليها. المختارات الغنائية بدأت بالافتتاحية التي تعد من أجمل موسيقات موتسارت بألحانها الرقيقة التي تبدأها آلة الأبواو تتضمن أيضاً ثلاثة ألحان سريعة تتكرر بترتيب متنوع جميل ويعطي إيحاء المرح الذي يسيطر علي العمل وقد كان المايسترو ناير ناجي وفريقه موفقين الي حد ما في أدائها خاصة في اليوم الثاني للعرض ولكن كانت جريج مارتن متميزا علي آلة الهاربسكورد ذات الصوت الساحري المميز وبالنسبة للمختارات الغنائية قدموا من الفصل الأول 14 فقرة ومن الفصل الثاني 9 فقرات تنوعت بين أغان سداسية وخماسية وثلاثية وثنائية كما هناك اشتراك للكورال مرتين.. وبالنسبة للأغاني الفردية تم اختيار معظم الأغاني "الآريات" الشهيرة في هذا العمل مثل أغنية السبرانو "أيتها الأشواق العنيدة" وأغنية التينور "تنهيدة حب محبوبتي" وأغنية الباص "لا تخجلي أيتها العيون الساحرة".. الهواية والاحتراف الأوبرا يلعب بطولتها 6 شخصيات تم تمثيلهم جميعا في هذه المختارات الغنائية وكان هناك في بعض الأدوار طاقمان علي مدي اليومين الذي أتيح لي رؤيتهما ومن أهم إيجابيات العرض عودة الفنان باص باريتون "رؤوف زيدان" بعد طول غياب وهنا قام بدور "دون ألفونسو" وتفوق كالمعتاد في أدائه التمثيلي والغنائي ومن الذين أدوا أدوارهم بمهارة عزت غانم الذي لعب دور "جوليلمو" وقدم أغنيتين منفردتين علي مدي اليومين في محاولة توضح ان هذا الشاب مجتهد أيضاً إنجي محسن وجاكلين رفيق كانت من الأصوات الجميلة والمجتهدة في هذا العمل ويليهم هشام الجندي وعمرو مدحت أما دينا اسكندر التي لعبت دور فيورديليجي علي مدي اليومين وكل من أمينة خيرت ونوريستا المرغني الثلاثة اجتهدن وحاولن لكن مازلن لم يصلن لمستوي الاحتراف ولكن هن خامات طيبة تحتاج رعاية وتدريبا ولا ننسي ان هذا الدور صعب وأغانيه المنفردة تحتاج قدرات تكنيكية عالية وبشكل عام العمل كله بشكل عام أقرب لأعمال الهواة وافتقد للاحتراف التي تحتاجه هذه الأوبرا والتي أري ان تقديمها بهذا الشكل فيه عدم احترام للجمهور فهذا عمل جاد وله أهمية واضافته لرصيد الفرقة شيء جيد ولهذا كان يجب تقديمه متكاملا ومترجما علي جانبي المسرح ونستعين بمايسترو متخصص لقيادته وعلي الأقل نجم أو اثنين عالميين مشهورين تكون هذه الأدوار من ضمن ريبرتوارهم وعندما فريق العمل يكتسب الخبرة يعاد تقديمه كاملا بالعناصر المصرية أسوة للرصيد الفني الحالي للفرقة وهذا ما يليق بهذه الفرقة ذات التاريخ والتي تم انشاء هذا المبني بكامله من أجلها.