استوقفتني مناشدتك للآباء المتشاحنين في أحد تعليقاتك ودعوتك لهم بالترفق بأبنائهم وعدم الإلقاء بهم في مرمي النيران والخلافات وأن بقليل من التنازل من الجانبين تستقيم الأمور.. وأضيف إلي ما ذهبت إليه ان انفصال الأبوين ليس وحده الذي يحدث جروحا غائرة في نفوس الأبناء بل قد يعيش الابن وسط أبويه ومع ذلك تجده حزينا منكسرا مثلما كانت حياتي بين والديَّ رغم التوافق الكبير بينهما واتفاقهما علي تأمين مستقبل ابنائهم وتوفير كل سبل الراحة والاستقرار لهم لكن باستثنائي أنا!! نعم ولا تتعجبي سيدتي فقد أمعن أبواي في اضطهادي وحرماني من أبسط حقوقي بتمييزهما الدائم بيني وبين اخواتي "بنين وبنات".. مع أنني من المفترض أول فرحتهما والابن الأكبر الذي يحظي عادة عند أبويه بمكانة خاصة ويكون له من التقدير والاحترام ما يجعل اشقاءه يعملون له ألف حساب خاصة إذا كان فارق السن بينه وبينهم كبيرا مثلي.. وفي حالتي لم يحدث ذلك ليس لعيب في شخصيتي وإنما لتمادي والديَّ في التوبيخ والتعنيف فاعتادا علي وصفي بالفاشل وعلي مدح غيري بالفالح.. ليصبح في البيت فاشل واحد وهو أنا.. و"فالحون" كثُرَّ هم أشقائي!! وطوال سنوات عمري معهما وهما يتعمدان تحميلي ما يفوق طاقتي وان تذمرت أو شكوت يأتيني الرد "أنت الأخ الكبير عليك ان تصبر وتتحمل"!! وان استجد أمر في الأسرة يحتاج البحث والتشاور يتم تجنيبي ليُصر والداي علي انكار وجودي وحرماني من التعبير عن نفسي والإمعان في التقليل من شأني أمام اخوتي.. وليت تفرقتهما أو تمييزهما المتعمد اقتصر علي الجانب الروحي والمعنوي بل تجاوزاه لأبعد من ذلك. تصوري لقد اعطي أبي كل أذنه لاخوتي الذين غرس فيهم روح الأنانية والطمع ونزل علي رأيهم الطائش حين نصحوه بتوزيع أملاكه عليهم في حياته وزينوا له الأمر بأنه بذلك لن يترك فرصة للشيطان ليفسد بينهم سواء في حياته أو بعد مماته.. واسقط في يدي حين علمت بأن أبي كتب الأرض والبيت باسم اشقائي واستبعدني تماما بحجة انني الأخ الكبير الذي عليه أن يضحي من أجل اخوته الصغار!! وعندما سقط والدي في دوامة المرض تهرب الجميع من رعايته.. وأرسلوه إليّ لأتولي هذه المهمة.. "فأنت الكبير وتلك مسئوليتك" لقد كنت أتمني من والديَّ أن يعدلا بيني وبين اخوتي ويقفا بجانبي مثلما فعلا معهم حتي استطاعوا توفير حياة كريمة لأسرهم.. انتظرت ان يراجع أبي نفسه بعد أن رأي تهرب الجميع من خدمته وبلغت بهم السفاهة والبجاحة الادعاء بأن ما حصلوا عليه منه هو من تعبهم وشقاهم!! ومع ذلك تواصل أمي خلق المبررات والأعذار لهم مما شجعهم علي التمادي في أفعالهم دون أن تلتفت لتقصيرهم الفاضح في حق أبيهم الذي أخذوا منه كل شيء وحين اقعده المرض لم يجد ما ينفق به علي علاجه ووجد بيتي مفتوحا له وأنا المذبوح منه والمكتوي بناره ونار أمي حين أمعنا في اضطهادي وتحميلي الكثير بدعوي انني الأخ الأكبر. كان عليَّ سيدتي مواصلة دوري نحوهما رغم الظلم والنكران.. وكان عليَّ ألا أكرر المأساة مع أولادي فغرست فيهم حب بعضهم البعض وتعاملت معهم دون تمييز وحذفت من قاموس أسرتي كلمتي "فالح" و"فاشل" اللتين كانتا أحد أسباب تمزيق علاقتي بأخوتي ولم تستطع السنون مداواتها فها قد بلغت الخمسين من عمري ومازلت عاجزا عن نسيان الماضي وهذا ما جناه أبي عليَّ برعاية من أمي - سامحهما الله - ولا أدري كيف أمنع نفسي من اجترار تلك الآلام التي تعكر عليَّ دائما صفو حياتي؟! فهل تساعدينني؟ أ.ز.م - دسوق ** المحررة: أتفق معك تماما ان التمييز في المعاملة هو من الخطايا الجسيمة التي يقع فيها الكثير من الآباء في حق الابناء نتيجة لجهلهم دينيا واجتماعيا بأسس التربية السليمة وابتعادهم عن نهج نبينا المصطفي الذي أوصانا بتقوي الله والعدل بين الأبناء.. وهو للأسف ما لم يتداركه أبواك حين أفرطا في التمييز بينك وبين اخوتك علي هذا النحو الصارخ!! ومحنتك مع أبويك بقدر ما تثير التعاطف معك بقدر ما طالها كثير من الغموض حيث لم تشر مثلا لطبيعة الموقف الذي تعرضت له ودفع بوالديك لوصفك بالفاشل كما لم تحدد فارق السن الذي بينك وبين اخوتك وهل هو للدرجة التي تمنع أي تقارب بينكم بحيث لا نجد من بينهم أخا واحدا متعاطفا معك.. وثائرا لحقوقك؟! أيضا شاب الغموض مسألة حرمانك من مال أبيك بهذا الشكل الجائر.. فلم توضح من الذي إذن وقف بجانبك في مشوار زواجك أم أنك بنيت نفسك بنفسك؟! لكن مهما كانت التفاصيل والاجابات - علي أهميتها - فهذا لا يبرر أبدا اغتصاب حق من حقوقك وعليك أن تسعي لمعرفة رأي الدين في ذلك فقد روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه ان أباه أعطاه "عطية" دون اخوته.. وأراد والده أن يشهد رسول الله علي تصرفه فسأله النبي صلوات الله عليه وسلامه: "هل أعطيت أولادك مثل هذا؟ قال: لا. فقال النبي: "لا تشهدني علي جور - أي ظالم - وان لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم". أما عن سؤالك كيف تدفع عن نفسك اجترار الآلام؟ فقط عليك ان تتذكر ان الله اختصك من بين اخوتك برعاية والدك في مرضه ليفتح عليك بابا من أبواب رحمته.. وتذكر أيضا نعمته عليك حين منحك القدرة علي البذل والعطاء وهو من المؤكد ما استشعره فيك الوالدان مبكرا فأخذا يحملانك بالأعباء والمسئوليات دونا عن اشقائك. فلا تحزن أيها الأخ الكبير وثق ان الله سيعوضك خيرا عما أصابك وستراه قريبا في أولادك وأحفادك والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.