في كتابي "النص بين الناقد والمبدع" تحدثت عن فكرة معايشة الناقد للنص الإبداعي خلال فترة ولادته وكتابته وهو كتاب تحت الطبع الآن. وما يرتبط بهذه المعايشة من وعي الناقد بتفاصيل دقيقة حول النص وحول المبدع نفسه ربما يستحيل أن يعرفها لو كان تعامله مع النص من الخارج. وطبعاً يأتي ذلك في مصلحة المتلقي الذي يتعرف علي حكاية النص وكاتبه بتفاصيلها الكاملة. بمعني أن يكون الناقد جسراً بين النص والمتلقي من خلال معرفته الجيدة بذلك النص. تذكرت هذا المعني وأنا أقرأ الكتاب النقدي الجديد للروائية السكندرية مني عارف الصادر عن دار الهلال ضمن سلسلة "كتاب الهلال" بعنوان "إيقاعات متفردة" وهو مجموعة من الدراسات النقدية التي تناولت فيها الروائية مني عارف بحس المبدع عدداً من المؤلفات القيمة ليبدو أمامنا الوجه الآخر لهذه المبدعة كناقدة. انطلقت مني عارف في كتابها من مبدأ أن الشمعة لا تخسر شيئاً حين تضيء شمعة أخري وكأنها تعلل السبب الذي دفعها إلي تناول تلك المؤلفات بعين الناقد. ثم تجسد لنا سبباً آخر أكثر إيجابية فتعترف قائلة: "شاءت الأقدار أن أصافح بعضهم وأنظر إلي وجوههم بعد أن عانقت تلك الأقلام التي كتبت حكاياتها بمداد الروح. عزفت مني عارف إيقاعاتها المتفردة حول كتاب "الصفح الجميل" للروائية فوزية مهران وأعلم جيداً مستوي العلاقة بين مني عارف وماما فوزية وفي هذه الرؤية تتحدث مني عارف ليس عن العمل فحسب بل عن فكرة كتابة هذا العمل ومن أين جاءت ولماذا وضعت فوزية مهران في المقدمة. ثم يأتي ديوان المبدع الرائع علاء عبدالهادي "مهمل تستدلون عليه بظل" الذي أعجبني علي نحو شخصي وسبق أن كتبت عنه. ويجمع الكتاب أيضاً بين جناحيه العديد من الإيقاعات حول المبدع السكندري الكبير أحمد حميدة في "قضبان الروح" ومحمد الفخراني في "ساحر الكتابة" و"قصص تلعب مع العالم" وعدنان فرزات في "رأس الرجل الكبير" و"كان الرئيس صديقي" وسعيد سالم في "المقلب" وأعمال أخري لفرج ياسين وعصمت داوستاشي وبشري أبو شرار وعلاء خالد وأحمد أبو خنيجر وغيرهم. تشعر وأنت تقرأ بحميمية الكتابة في التناول. تري رؤية لا علاقة لها بمشرط الناقد الجراح. بل فيها أحاسيس ومشاعر مبدع شارك النص وكاتبه لحظات البوح أحياناً أو فكرة النص قبل تشكله في قالبه الإبداعي أحياناً أخري. وبالتالي تجد ذاتك أمام كتابة تتجاوز أدوات النقد ومصطلحاته الجافة. مني عارف في كتابها الجديد أبدعت مثلما أبدعت من قبل في رواياتها. وتمتد صلتي بما تكتب إلي بدايتها مع "طوق الياسمين" وحتي مجموعتها القصصية "أشجان الرحيل" وهي رحلة إبداعية تستثير مشاعرنا لنكتشف مواطن الجمال في الحياة. ومع إني أؤمن بنصيحة الناقد الكبير د.صلاح فضل التي نصحني فيها ذات يوم بألا أقع في نقد النقد. أي ألا أكتب نقداً عن كتاب نقدي لكنني آمنت مع كتاب مني عارف أنه ما أجمله المبدع حين يكتب عن نص إبداعي آخر بحسه كمبدع وليس كناقد متخصص لديه كل أودات النقد. وهو مضمون كتابي الذي أتمني أن يصدر قريباً ويري النور.