أستقبل العام الجديد بقراءة عدد من الكتب التي وصلتني من إصدارات المركز القومي للترجمة وهيئة الكتاب وهيئة قصورالثقافة وعدد من دور النشر المصرية والعربية، ومن خلالها أستطيع أن أكوِّن تصوراً لما ستكون عليه اتجاهات ناشرينا في الدورة الجديدة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي تبدأ في الأسبوع الأخير من هذا الشهر. ومن العناوين التي تشاغلني، طوال ساعات جلوسي إلي المكتب، "بس مين يفهم"، أحدث ديوان لشاعر العامية البارز مسعود شومان الصادر عن "الأدهم"، الدار الشبابية الجديدة التي أسسها الزميل فارس خضر. ويستهله مسعود بهذه السطور: "الدنيا دي حيه والمعرفة تعبان فخاف إذا كنت عارف أكتر الجرح ممكن يوسع والهم ممكن يكتر" لكنني في هذه الإطلالة أقدم سميرة أبو طالب، التي تعمل بقطاع الأخبار بالإذاعة، كمؤلفة ربما تنشر لأول مرة، فقد جاءتني منذ أيام لتهديني هذا الكتاب، الصادر عن دار "روافد"، وفيه تكرم هذه المؤلفة الشابة مبدعاً كبيراً صاحب مشوار طويل مع الإبداع المسرحي والكتابة التليفزيونية والعمل النقابي، ويحمل عنوان "عاشق المسرح والتاريخ.. محفوظ عبدالرحمن في محاورات النقاد" وهي تقدم من خلاله رؤي النقاد لإبداعه في مراحله المختلفة، و تحدد فلسفة الكتاب من خلال طرح هذا التساؤل: أيجوز للرؤية النقدية أن تتحول إلي "محاورة"؟ أن يتحول كل ناقد إلي صوت ينزع عن نفسه سكون الصمت؟. هذه المقالات النقدية تفعل ذلك بجدارة؛ فكما كانت الكتابة الإبداعية لدي محفوظ عبدالرحمن متحررة من الحيز الضيق للنطاق الجغرافي إلي رحابة الوطن العربي بامتداده، إذ كانت اللغة العربية سبيله في تخطي هذا الحاجز، متجاوزًا اللهجة في خصوصها إلي رحابة اللغة واتساعها، فنجد نصوصه جميعها كتبت بالفصحي إلا نصين : "اللبلاب"، و"كوكب الفيران" كتبا بالعامية، ورغم ذلك وجد النص الأخير طريقه خارج مصر ليُجَسّدْ علي خشبة المسرح القطري. تتناول المؤلفة هنا طبيعة اللغة التي يكتب بها "محفوظ عبدالرحمن " لأنها المحك الأول في تناول نصوصه علي مسارح البلدان المختلفة، ومن ثم التناول النقدي لنقاد من مختلف البلدان العربية، وفي هذا تقول حينما أتأمل ما كتب علي مدار السنوات الماضية منذ كتب محفوظ عبدالرحمن أولي مسرحياته وعرضت علي خشبة مسرح "كيفان" لفرقة مسرح الخليج العربي، منذ هذه البداية الفعلية في تناول نصوصه بالعرض وما كتب عنها فاق التصور، ربما لم يتم التناول النقدي للنص قبل ذلك علي الرغم من أن تلك الفترة وما سبقها في الستينيات، تميزت بقراءة نقدية جادة للنصوص المسرحية، إلا أن العكس هو ما حدث مع نص "حفلة علي الخازوق"، إذ تناوله النقاد بحفاوة بالغة، واللافت للنظر أن هذا الأمر تكرر مع مسرحيته الثانية "عريس لبنت السلطان"، فأصبح اسم "محفوظ عبدالرحمن" محفزاً لأقلام النقاد، وقت أن يمسك بقلمه، وبعد أن وقفت الرقابة حائلاً بين إبداعه والمتلقي المصري، فأصبح العرض الواحد يجسد أكثر من مرة في أكثر من بلد، بل وأكثر من مرة داخل مصر ذاتها، سواء علي مسارح الدولة، أو مسارح الهواة. وهذا الزخم في العروض صاحبه الكثير من النقد من كتاب عرب ومصريين، بل إن بعض من قدموا عروضاً لنصوصه، قدموا لها رؤية نقدية بعين الخبير، فكانت مجمل هذه الرؤي أفكاراً لرؤي أخري جديدة، بل لإبداعات موازية لإبداعه، قامت المؤلفة بإثباتها وأثبتت معها الرؤي النقدية التي تناولتها بالقياس إلي الإبداع الأصل . "محاورات"؟!! .. نعم محاورات، تلك التي قدمت عبر أزمنة مختلفة، وأجيال متتابعة هذه الرؤية لنصوص محفوظ عبدالرحمن. أثبتت ما توافر لها بنفس اللهجة التي كتبت بها، وراعت قدر الإمكان نقد ما تناول النص أولاً ثم العروض ثانياً، وأخيراً ما تناول النص والعروض معاً، وفي كل محاولة لاستلهام الأصل والكتابة الموازية له أثبتت ذلك.