أخيراً تنبهت حكومة الدكتور عصام شرف أن كثيرين في هذا البلد قد أساءوا فهمها فتصوروا أنها ضعيفة ومهتزة ومغلولة اليد.. ومن ثم انطلقوا يعبثون كيفما شاءوا.. وخلطوا عن عمد بين الحرية والفوضي.. مستهترين بالقانون وبالدولة.. والقاعدة الشرعية تقول إن "الحاكم الضعيف فتنة" و"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" أي أن هناك من لم يردعه الدين والقرآن والضمير فيردعه الحاكم القوي الذي يطبق الحدود والعقوبات بكل حزم علي المجرمين.. ويفرض الالتزام علي الجميع حتي يسود الأمن والاستقرار. كان ضرورياً أن تصل الحكومة إلي هذه اللحظة التاريخية بعد الكوارث الكثيرة التي مرت بنا والأحداث الجسام التي شهدناها لكي تجري لنفسها عملية تحول في الاداء.. وتظهر العين الحمراء وتقول للمغامرين والمتجاوزين لدينا القدرة ولدينا الإرادة ونستطيع أن نوقف كل طرف عند حده.. ونأخذ الحق من القوي ونحمي الضعيف. كانت عملية التحول هذه مطلوبة منذ فترة طويلة.. قبل أن يتغول البعض ويطمع الذي في قلبه مرض.. وينقلب الوطن في العصر الديمقراطي إلي ساحة قتال واشتباكات مسلحة فيرتد الناس ضد الديمقراطية ويتحسروا علي الديكتاتورية التي اسقطوها. لقد رفضنا كل أشكال الاستبداد.. ورفضنا فكرة المستبد العادل بعد أن ثبت فشلها في التجارب التي مرت بنا.. واخترنا الحرية الكاملة والديمقراطية الصحيحة.. وكنا ومازلنا واعين إلي أن الخطر الأكبر الذي يهدد الحرية والديمقراطية هو الفوضي والانفلات.. ولذلك دعونا منذ اللحظة الأولي لنجاح الثورة إلي أن تكون قبضة الدولة قوية وقادرة بالقانون والإجراءات المؤسسية وليس بالطوارئ والإجراءات الاستثنائية. وإذا كان من الصحيح أن حكومة د. عصام شرف جاءت من بين الناس من الشارع ومن ميدان التحرير.. فإن من الصحيح أيضا أن هناك عقبة كبيرة ظلت إلي الآن تعترض أداء هذه الحكومة وتحول دون الاقتناع بها.. هذه العقبة تمثلت في اضطراب الحالة الأمنية بصفة عامة.. والتباطؤ والتراخي في التعامل مع الملف الطائفي بصفة خاصة. وبسبب هذا التباطؤ وذلك التراخي تكاثرت الأحداث والتوترات الطائفية دون حسم.. ولم تفلح عمليات الترضية في نزع فتيل التعصب.. حتي ظن بعض المتشددين من المسلمين والمسيحيين أنهم فوق الدولة والقانون.. وأن الحل والعقد بأيديهم.. ووقعوا أسري لغواية القوة من ناحية وافراد الحكومة في سعة الصدر من ناحية أخري إلي أن وصل الأمر إلي كارثة امبابة التي أدمت قلوب المصريين جميعا. لقد ربط وزير العدل في البيان الذي ألقاه بعد اجتماع الحكومة أمس بين ما حدث في امبابة وما أسماه.. مخطط الثورة المضادة وقد يكون في ذلك جانب من الحقيقة.. لكن هناك جوانب أخري يجب أن ينظر إليها من خلال الاجابة عن الأسئلة التالية: * كيف تقاطرت عناصر مسيحية متشددة من الدويقة ومنشية ناصر وعناصر مسلمة متشددة من العباسية إلي منطقة امبابة للاشتراك في المعركة دون أن يعترض طريقها أحد؟! * ماذا يعني وجود سلاح في المنطقة يطلق النار عشوائيا علي المواطنين من فوق الأسطح؟! * لماذا لم تتحرك قوات الشرطة بسرعة للتأكد من الحقيقة فيما يتعلق بالفتاة التي قيل أنها اسلمت وتزوجت واختطفت واحتجزت في الكنيسة. * كيف تجمعت العناصر المتشددة وأحاطت بالكنيسة وأشعلت الحرائق دون ان تستخدم الشرطة الوسائل الضرورية لمواجهتهم. الشعب لا يريد أكثر من تطبيق القانون علي الجميع.. والوصول بسرعة إلي الحقائق وإعلانها بكل شفافية.. والقانون العادي فيه من المواد ما يكفي لمواجهة الاحداث الطائفية والبلطجة وحماية دور العبادة وضمان حرية العقيدة.. فقط مطلوب ايقاظ جهاز الشرطة والأمن المركزي وتفعيل القانون.. وقبل ذلك وبعده مطلوب من الحكومة أن تكون جادة وقوية.. أن تكون حكومة سيادة القانون.