هناك ثلاثي ديني إن جاز التعبير يتواجد بكثافة علي الساحة حالياً.. والسؤال المطروح هل نحن بصدد صدام تيارات دينية في الفترة المقبلة مع التدافع الحاد الذي يشهده الشارع المصري؟ الشاهد حتي الآن. إن هوجة السلفيين الحالية تقابلها براجماتية الإخوان ورومانسية الصوفيين كأكبر 3 تيارات دينية موجودة في الشارع. نقصد بهذا الثلاثي "الإخوان المسلمون" و"السلفيين" و"المتصوفة" بعد دخولهم علي الخط ونصفه بأنه مرعب نظراً لأن التيار الأول هو أكثر التيارات الثلاثة تنظيماً وقدرة علي الحشد وانتشاراً علي الأرض ومن ثم فبإمكانه التأثير علي مجريات الأمور وقد يكون حاسماً إلي حد يزيِّف أو يرعب آخرين بينما التيار الثاني الذي يبدو كجسد كبير وضخم بدون رأس أو ذي رءوس متعددة كالاخطبوط هو الأعلي صوتاً والأقل قبولاً للآخرين والأكبر جرأة علي تغيير ما يراه خاطئاً باليد والسلاح حتي بات في رأي الكثيرين دولة داخل الدولة. يشرع ويتهم ويجري التحقيق ويصدر الأحكام وينفذ العقوبات بنفسه مما جعله مثار رعب حقيقي سواء بحق أو بغير حق. أما التيار الثالث الذي يوصف تاريخياً بالانعزال والزهد والبعد عن السياسة وتجلياتها فهو أيضاً يثير الخوف والرعب نظراً لضخامة عدد المنتسبين إليه يقدرون بالملايين حيث يعتقد البعض أنه أشبه بالتنين الضخم الذي إذا تحرك فربما يدهس الكثيرين تحت قدميه بقصد أو بدون قصد. وحول تواجد هذا الثلاثي علي ساحة الأحداث والإعلام منذ أيام سبقت ما بات يعرف بثورة 25 يناير حتي الان نقول: قبل أيام من يوم الثلاثاء 25 يناير عام 2011 انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي علي الشبكة الدولية للمعلومات النت دعوة شبابية للتظاهر في ميدان التحرير وغيره اعتراضاً علي الممارسات القمعية التي يمارسها النظام نظام حسني مبارك ضد معارضيه والتي وصلت إلي حد التصفية الجسدية بواسطة أجهزة الأمن المتمثلة في وزارة الداخلية كما حدث في واقعة مقتل خالد سعيد وسيد بلال ولذلك اختير يوم 25 يناير الذي يحتقل فيه بعيد الشرطة. بدت ردود الأفعال إيجابية بشكل نسبي ولكن أحداً لم يتصور إلا أنها ستكون تظاهرة أخري ككثير من التظاهرات التي عرفتها مصر خلال السنوات الأخيرة. خاصة منذ عامي 2004 و2005 وأن النظام سيتعامل معها بنفس الأسلوب الهمجي الذي تعامل به مع سابقاتها. في استجابة أو علي الأصح عدم استجابة لهذه الدعوة أصدر الإخوان المسلمون بياناً أكدوا فيه عدم مشاركتهم في التظاهر يوم 25 يناير وبرروا ذلك بأن هذا اليوم يوم وطني لما يحمله من ذكريات يجلها كل المصريين في إشارة واضحة لتصدي رجال الشرطة في ذلك اليوم لقوات الاحتلال الإنجليزي بالإسماعيلية!! السلفيون بدورهم أكدوا علي لسان أكثر من شيخ من شيوخهم أنهم بالطبع لن يشاركوا باعتبار أن التظاهر من وجهة النظر الشرعية في زعمهم نوع من أنواع الخروج علي الحاكم المحرم ووصفوا ذلك بأنه فتنة ووصموا من يشارك فيه بالانحراف عن صحيح الدين!! الصوفيون. لم يبدوا أي نوع من الاستجابة لدعوة أو حتي عدم الاستجابة. فلا حس ولا خبر وكأنهم يعيشون في واد والوطن في واد آخر!! في اليوم الموعود بدأت التظاهرات علي استحياء ولكن مع مرور الساعات والأيام بدا واضحاً أن "البنزين" الذي سكبه النظام علي أرض مصر كان غزيرا جداً وأن الأمر لم يكن بحاجة إلا لعود من الثقاب أشعله نخبة من شباب مصر. تدفقت الآلاف بل الملايين علي ساحات التظاهر التي حددها الشباب وتعاملت الحكومة والنظام مع هذه الحشود كما اعتادت أن تتعامل مع مثيلاتها علي سلم نقابة الصحفيين أو في أي ميدان من ميادين القاهرة أو غيرها. باستخفاف أولاً ثم بقمع شديد فيما بعد. المهم أن أضلاع مثلث الرعب وأمام هذا الموقف الثوري المهيب للشعب المصري والذي لم يكن متوقعاً بدأت تغير موقفها حيث شهد ميدان التحرير بالذات تدفق العشرات ثم المئات ثم الآلاف منهم فرادي دون يفط أو رايات أو حتي دون شعارات باتت محفوظة للجميع وبداية من "جمعة الغضب" وما صاحبها حيث ذابت قوات الأمن بجميع أنواعها وما تلاها من محاولات همجية لفلول أجهزة الأمن والحزب الوطني لكسر الثورة بات مؤكداً ومعترفاً به أن أياً من هذه الأضلاع الثلاثة لم يلتزم بموقفه السابق. بوقف عدم المشاركة من قبل الإخوان والتحريم والإدانة من قبل السلفيين أو موقف السكوت من قبل الصوفيين. في 11 فبراير تنحي الرئيس أو تمت تنحيته وبات فعل الثورة مؤكداً لا يقبل الشك وتواصلت الأحداث حتي أعلن عن حبس ومحاكمة معظم رموز النظام وعلي رأسهم مبارك وولداه وزوجته وزوجتاهما وكبار الفاسدين من بطانته كزكريا عزمي وفتحي سرور وحبيب العادلي وغيرهم. في 19 مارس كان قد أجري الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة التي شكلها المجلس العسكري برئاسة المستشار طارق العشري وصوَّت الضلعان الأهم وغالبية الضلع الثالث فيما تعتقد بنعم علي هذه التعديلات بينما صوتت بقية قوي الثورة ب "لا" مطالبة بدستور جديد تماماً يأخذ في اعتباره المبادئ العامة التي ظلت محل اتفاق طوال أيام الثورة. احتج فريق "نعم" بالسعي للاستقرار وبفقه التوازنات والمآلات وغير ذلك بالإضافة إلي تركيزهم علي أن حرية الاختيار هي لب الديمقراطية التي نادي الثوار بها خاصة أن الجميع تقريباً وافق علي تشكيل لجنة التعديلات وهذا صحيح. فريق "لا" اتهم الإخوان والسلفيين ولا يزال بركوب الموجة ولمَّح إلي صفقات ربما تكون قد عقدت في الظلام بين هؤلاء وآخرين. بات السؤال هو: لماذا شارك هؤلاء أصلاً؟ ولماذا يحاولون أن يجنوا ثمرة مشاركتهم مبكراً خاصة أنهم الطرفان أعلنوا استعدادهم لتشكيل أحزاب سياسية تدخل الانتخابات البرلمانية المحدد لها شهر سبتمبر القادم؟! قال الإخوان: إنهم لم يعلنوا عدم مشاركتهم بداية حتي لا يعطوا النظام فرصة كالعادة للقول إنهم وراء هذه التظاهرات. وقال السلفيون إنهم أمنوا الفتنة بعد خروج الشعب وتحلل قوات الأمن مشيرين إلي أنهم أيضاً شاركوا كالإخوان وبقية الفصائل منذ اليوم الأول دون إعلان وتحملوا نصيباً ضخماً من تبعات حماية الثورة الوليدة. اتفق الطرفان علي أن التصويت ب "نعم" حق لهم إعمالاً لمبدأ حرية الاختيار وتمشياً مع الموافقة المبدئية علي ذلك من قبل قوي الثورة المختلفة بقبول لجنة تعديل الدستور وكذلك حفاظاً علي المادة الثانية من الدستور باعتبارها تحصيل حاصل وأن الغالبية من شعب مصر من المسلمين. وأعلن الطرقان أنهما بصدد تشكيل أحزاب سياسية استعداداً للانتخابات القادمة مع وعد من الإخوان بعدم ترشيح أحد منهم للرئاسة هذه الدورة. وأن تقتصر مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية علي نسبة 35% زادت بعدها إلي 49% ضماناً لمشاركة الآخرين حتي لا يقال إن الإخوان التهموا الكعكة كاملة وأنهم سيؤسسون لدولة دينية. مشيرين إلي أنهم سيؤسسون لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. السلفيون أعلنوا بدورهم أنهم سيشاركون في الانتخابات بنسبة ما وأنهم سيدعمون الإخوان ولكنهم علي لسان قادتهم أعلنوها واضحة تماماً: نريدها دولة إسلامية خاصة أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية التي يتحدث عنها الآخرون. بالمفهوم العربي طبعاً. الصوفيون لم يسمع لهم صوت وبدا كالعادة أن تابعيهم يتصرفون كأفراد لا كطرق حتي وقعت بعض الأحداث التي اتهم فيها السلفيون ضد بعض الأقباط في أماكن متفرقة بالإضافة إلي عدة عمليات هدم لبعض الأضرحة وهنا بدأ الصوفيون يتحركون ويعلنون أنهم سيشكلون لجاناً شعبية لحماية الأضرحة من هجمات السلفيين. كما أنهم لن يسمحوا للوهابيين كما يطلقون عليهم بالسيطرة علي مصر أو تحويلها لسعودية أخري وأنهم لم يسمحوا بسعودة الدين أو ببدونة الإسلام من البداوة علي حد وصف بعض إعلامهم. لايزال أمر أحزاب الطرفين الآخرين مجهولاً أما فاعليتهم فقائمة علي قدم وساق. المهم أن أسماء مثل د.محمد بديع. ومحمد البلتاجي.. وم.حبيب ود.محمود عزت. د.الحسيني من قيادات الجماعة وغيرهم باتت هي العامل المشترك في كل وسائل الإعلام والمحافل العامة. كما أن أسماء مثل: الشيخ محمد حسان وإسحاق الحويني ومحمد حسنين يعقوب. بالإضافة إلي د.ياسر البرهامي وعبدالمنعم الشحات وأبويحيي وأسامة القوصي وغيرهم من القيادات السلفية باتت كذلك صاحبة نصيب في الإعلام والمحافل العامة. يضاف إلي ذلك أن أسماء مثل عبدالهادي القصبي ومحمد الشهاوي وغيرهم من مشايخ الطرق الصوفية باتت تشارك وتنافس الاخرين. الآن.. أصبح الجميع أقرب إلي إزاحة الاتهامات له من قبل الآخرين مع التأكيد علي أنه ليس من حق أحد الانفراد بالساحة وليس من حق أحد فرض وصايته أو رأيه علي الاخرين.. وهو ما يعتبر مكسباً كبيرا من مكاسب الثورة.. فالمهم أن يؤمن الجميع بالتعددية والحوار وليس مهماً حجم ونوع الخلافات. والسؤال الآن هو: أين بقية التيارات الليبرالية واليسارية والقومية وأين شباب الثورة؟ لماذا نسمع صوتهم أكثر خفوتاً وأين أحزابهم وتجمعاتهم التي صدَّعوا رءوسنا بها. أم أنهم فعلاً مجرد ظواهر صوتية لها وجود ضعيف علي أرض الميدان؟ أم أنهم لأسباب لا نعلمها قرروا ترك تأسيس الدولة المدنية التي يطالبون بها للإسلاميين؟!