بمنتهي الصراحة.. لا أري في مصر "دولة" بالمفهوم المتعارف عليه والتي تقوم علي مؤسسات وسلطات. الدولة تعني رئاسة وبرلمانا وحكومة وقضاء وغير ذلك.. فماذا نري منها؟ لا رئيس ولا برلمان.. وإن كانت عودة كل منهما له توقيته. أما القضاء فله الله حيث أثقلوا كاهله بتحقيق قضايا رموز النظام السابق ومحاكمتهم والبت في بلاغات الفساد الحقيقية فيها والكيدية والتي تتجاوز ألف بلاغ يومياً. لكن.. أين السلطة التنفيذية؟ الشرطة عادت علي الورق ولم تعد فعلياً إلا في أماكن قليلة.. ولنا عودة لهذا الموضوع بالذات غداً. الحكومة أيضاً بلا وجود ملموس.. فهي غارقة لأذينها في نفق الانهيار الاقتصادي والمطالب الفئوية وليت هناك حلولاً.. فالاقتصاد يزداد سوءاً والاحتياطي الاستراتيجي يتناقص ومطالب الناس التي أصبحت غير مبررة بالمرة مطلباً وتوقيتاً تزداد مع طلعة كل شمس وأضحت البلطجة هي قانون الحياة في مصر. إن البلطجية والمنفلتين والغوغائية في الشارع يبعثون برسالة قوية للكافة تقول: إحنا الحكومة!!! يتساءلون : مادام الشارع هو الذي أطاح بالنظام وجاء برئيس الحكومة.. فلماذا لا يحكم الدولة نفسها؟! *** أنا لا أرسم صورة سوداء متشائمة.. بل أذكر الحقيقة المرة كما أراها ويراها الملايين غيري.. ومن لا يري من الغربال فهو أعمي. ولماذا نذهب بعيداً؟.. تذكروا أعمال البلطجة والانفلات والتظاهر غير المبرر خلال ال 48 ساعة الماضية فقط لتعلموا حجم الكارثة التي نعيشها. هل تنسون ما حدث في محكمة جنوبالقاهرة من تحطيم القاعة ومحاولة اقتحام غرفة القضاة. واقتحام مجلس الوزراء من العاملين بمشروع دعم وتنمية الخدمات بكفر الشيخ. وإغلاق ميدان عابدين واقتحام مبني محافظة القاهرة من قبل رجال ونساء استولوا علي شقق بمدينتي السلام والنهضة ويريدون تقنين ملكيتهم لهذه الشقق؟ أم تنسون اقتحام البلطجية لقسم الساحل وإطلاق سراح 80 متهماً ومحاولات تهريب متهمين بحجز مركز شرطة البدرشين وقسم الطالبية وقسم أول شبرا الخيمة؟ أم نسيتم مسلسل قطع الطرق بقنا وأسيوط وكفر الشيخ والذي كان آخر حلقاته قطع شارعي مجلس الشعب وقصر العيني وطريق المنصورة منية النصر وطريق رأس سدر شرم الشيخ وقطع خط السكة الحديد برمسيس؟ أم تنسون عملية البلطجة في شارع عبدالعزيز بالموسكي والتي أسفرت عن إصابة أكثر من 150 شخصاً؟ *** إنها مجرد عناوين ونبذة بسيطة عما يعج به "الشارع" الآن من بلطجة وخروقات وتجاوزات تهدد أمن وأمان المواطن العادي ومؤسسات الدولة. ولن أتطرق إلي المزيد مثل جرائم خطف الإناث من الشوارع وفي عز الظهر. ولي ذراع الحكومة في قنا والاستجابة لإرادة الناس بتجميد قرار تعيين محافظ للإقليم وتجاوزات السلفيين في مسجدي الفتح والنور كل جمعة ومطالبتهم غير القانونية باستلام كاميليا شحاتة وإقامة الحدود بأيديهم وكأنهم هم ولي الأمر!! لقد صدر قرار من مجلس الوزراء يؤكد حق رجال الشرطة في استخدام القوة ضد البلطجية دفاعاً عن المواطنين والمرافق والممتلكات العامة والخاصة.. وفي مفهومي فإن استخدام القوة يعني إطلاق النار عليهم. والسؤال هنا: من يحمي رجل الشرطة إذا فعل ذلك؟ بمعني أكثر وضوحاً : إذا أطلق رجل الشرطة النار علي مجموعة من البلطجية اقتحموا قسم شرطة أو مصلحة أو مرفقاً من المرافق أو منعوا الموظفين بالقوة من أداء عملهم وقتل عدد من هؤلاء البلطجية.. هل ستتركونه وتباركون ما فعله أم ستحاكمونه وتعتبرون القتلي متظاهرين وليسوا بلطجية؟ أيضا.. من يحمي المتظاهر العادي من تجاوز رجل الشرطة إذا أطلق عليه النار معتبراً إياه بلطجياً وهو ليس كذلك؟ نريد تعريفاً واضحاً وصريحاً لحق استخدام القوة ووصفاً دقيقاً للبلطجة وأن يعلن ذلك علي الملأ.. فلا التعريف ولا الوصف سر حربي.. وبالتالي فإن الوضوح والصراحة في التعريف والدقة في الوصف هي ضمانة حقيقية تحمي الشرطي والمتظاهر علي السواء. *** لا أمانع أبداً أن يكون الشارع هو "الحَكَم" فنحن في ظروف استثنائية صعبة لم تمر علينا منذ قرابة ستين عاماً. لكن.. لابد أن يتفق ذلك والقانون.. إن كان هناك قانون. ما أراه للأسف الشديد.. إن القانون نفسه يتم لي ذراعه وتطويعه.. لغرض أو لمرض. فماذا ننتظر.. من البلطجية تارة. والفئويين تارة أخري.. ومن السلفيين علي طول الخط؟ ربنا يستر علي مصر.. في ظل هذا الفراغ الأمني والتنفيذي بصفة عامة والذي نحياه رغم أنفنا.