التجديد والابتكار مع الدقة المتناهية في الأداء بالاضافة للمرح في إطار التقاليد العالمية الراسخة للمناسبة هذه بعض سمات حفل العام الجديد الذي قدمه لنا المايسترو أحمد الصعيدي من خلال أوركسترا القاهرة السيمفوني والذي يمثل اضافة للرصيد الفني للفريق ولعشاق الموسيقي والأهم انه يدخل في نطاق المنافسة التي لو تمت علي مستوي عالمي لفاز هذا البرنامج وأسلوب أدائه بجدارة علي مثيلاته ولهذا كان يجب الاستفادة منه اقتصادياً وتسويقه عالمياً فهذا النوع من الحفلات له جمهور كبير في معظم بلاد العالم ويحقق نسبة مشاهدة كبري في المحطات التليفزيونية. حفلات العام الجديد تعد تقليداً نمساوياً تم ابتداعه في فيينا وتتصف حفلاته ببرامج معظمها من مؤلفات عائلة شتراوس النمساوية والتي يغلب عليها صيغ موسيقية راقصة "الفالس والبولكا والبولينيز" كما تتضمن البرامج مارشات ومقتطفات غنائية من أوبرات وأوبريتات خفيفة ودائما يغلب عليها المرح كما من تقاليد هذه البرامج مقطوعات يصفق معها الجمهور ويلتفت القائد يقود الصالة وهذا النوع من الحفلات انتشر بعد ذلك في معظم بلاد العالم ولكن مازال أشهرها ما يقدمه أوركسترا فيينا الفلهارموني ويتم نقله علي الهواء مباشرة وهذا العام قدم الحفل رقم 74 وتم نقله ل 92 محطة تليفزيونية وقاده المايسترو بارنبويم.. أما عندنا نجد حفل العام الجديد أصبح تقليداً سنوياً وضعه المايسترو أحمد الصعيدي في أوائل التسعينيات عندما كان القائد الأساسي للسيمفوني. والحفل هذا العام جعلنا نعيش في جو فيينا التي عاش فيه الصعيدي وتلقي تعليمه بها وقد قدم لنا هذا المايسترو القدير برنامجاً تكون من 20 فقرة حملت كل سمات التنوع ليس فقط في المقطوعات الموسيقية وانما في أسلوب الأداء والمؤدين بالاضافة لثراء بصري كما سوف يتضح في السطور التالية: البرنامج كانت بدايته مع افتتاحية لأوبرا "دونا ديانا" للمؤلف ايميل رزنتشيك "1860-1945" الذي نستمع إليها لأول مرة وكانت خير افتتاح لانها اعطت تمهيدا للبرنامج وتعريفا به وبطبيعته حيث تأتي نغماتها متنوعة بين الراقصة والنشطة والهادئة كما يتم أداؤها من خلال الآلات التي تستعمل بكثافة في هذا النوع من المؤلفات مثل النفخ والايقاع كما ان الصعيدي قادها بتميز وبحفظ وهضم تام جعل المتفرج يتأكد أنه سوف يستمع لأداء قدير. المقطوعة الثانية كانت بولكا سريعة بعنوان "بلا هموم" والتي تتميز بأن العازفين يضحكون أثناء العزف من خلال صوت بشري مدروس والمقطوعة للمؤلف جوزيف شتراوس "1827 - 1899" والذي لأول مرة يتم تقديم مؤلفاته وهو أحد أفراد أسرة شتراوس حيث انه ابن يوهان شتراوس الأب وما يميزه انه كان متعدد المواهب كتب ما يقرب من 300 عمل موسيقي في قوالب مختلفة وهنا قدم له الصعيدي 4 مؤلفات أخري بولكا "الخادمة" وبولكا فرنسية بعنوان "مضاد للنار" والتي يستعمل فيها أحد العازفين الشواكيش.. وبولكا سريعة بعنوان "ثرثرة" وفيها يمسك القائد بإحدي آلات الايقاع أما المقطوعة الأخيرة بعنوان الجوكي وفيها ظهر المايسترو يرتدي قبعة الفارس ومعه كرباج الحصان. غناء متنوع الحفل تضمن كالعادة غناء جاء أيضاً متنوعاً حيث كانت نجمة الحفل السبرانو التشيكية "تيريزا ماتلوفا" التي تعد من نجمات الغناء الأوبرالي الشهيرات علي المستوي العالمي وكانت موفقة في الغناء وأيضاً التمثيل وقد ارتدت حوالي 6 فساتين متنوعة في ألوانها وقد شدت بأغنية "فيليا" من أوبريت الأرملة الطروب لفرانز ليهاركما أدت أغنية سيدي الماركيز من أوبريت الخفاش والأغنيتان مشهورتان ويؤديهما عدد من نجومنا المصريين وأغنية "اسمع صوت كمان الغجر" من أوبريت "الكونتيسة مارتسيا" للمؤلف ايميريش كالمان "1882 - 1953" وأغنية للقمر من أوبرا روسالكا لدفورجاك "1841 - 1904" ولكن أكثر الأغاني طرافة كانت أغنية "الطيور علي أغصان الخميلة" من أوبرا "حكايات هوفمان" لجاك أوفنباخ "1819 - 1880" وفيها دخلت المسرح يحملها أحد الأشخاص وكأنها دمية ويدير زمبلك لتبدأ في الغناء والحركة وتتوقف ثم يعيد الكرة وسط ضحك المتفرجين وقد أدت الحركة باتقان وخفة دم بالاضافة انها تمتلك خامة صوت جميلة ولديها قدرة هائلة علي التلوين وأداء النوت العالية مع القدرة علي التعبير والحركة التمثيلية. في إطار الغناء لم يكتف المايسترو بالغناء الفردي من السبرانو وإنما كان هناك غناء لكورال الأكابيلا الذين ارتدوا ملابس القرن التاسع عشر كما لأول مرة شارك في الحفل كورال أطفال تنمية المواهب تدريب د. نادية عبدالعزيز وجاء اداؤهما موظفاً بشكل مقنع في البرنامج كما اضفي عليه ثراء. بالنسبة للمقطوعات الموسيقية كان أيضاً هناك اهتمام بالتنوع ليس فقط في القالب الموسيقي بل في طريقة التقديم فبالاضافة لما سبق ان ذكرناه قدم مقطوعة بعنوان رقصة شيطانية لجوزيف هلمسبرجر الابن "1855 - 1907" والتي دخل العازفون فيها للمسرح يرتدون قبعات علي هيئة الشيطان واخذوا يعزفون بها كما دخل اثنان من عازفي الايقاع يرتدون ملابس بابا نويل وطاقية عيد الميلاد تم وضعها علي آلات الكونترباص والهارب كما دخل المايسترو يحمل صندوق هدايا به العديد من دمي من الحيوانات وقام بتوزيعها علي العازفين في جو من المرح. العزف المنفرد من علامات التنوع أيضاً ان البرنامج يتضمن لأول مرة عزفا منفردا حيث قدم ليوهان شتراوس الابن "1825 - 1899" رومانس رقم 1 للتشيللو والهارب والأوركسترا ورومانس رقم 2 للتشيللو بمفرده مع الأوركسترا وقد عزفت علي التشيللو العازفة الروسية "فيكتوريا كابرالوفا" وعلي الهارب العازفة المصرية أميرة حامد ولقد وفق في اختيار هذه المقطوعات الهادئة التي أعطت تنوعا كسر به حدة الايقاعات السريعة النشيطة التي تسيطر علي هذا النوع من البرامج. من المقطوعات الجديدة والجميلة أيضاً بولينز مراوح اليد للمؤلف كارل ميشائيل تسهرو "1843-1922" وبولكا هانز يورجيل لجوزيف لانر "1801 - 1843" وختم البرنامج بمقطوعة كرنفال فينسيا ليوهان شتراوس الأب "1804 - 1849" ومع التصفيق الحاد والمتواصل قدم هديته للجمهور والتي تعد من علامات هذه الحفلات مارش راد يزكي للمؤلف نفسه والذي يصفق معها الجمهور الذي استمع إليها واقفاً لتتفاعل الصالة مع خشبة المسرح في جو احتفالي جميل. رغم كل الجهد الإخراجي في الحفل والذي قام به المخرج عبدالله سعد وأيضاً الديكور البديع والاضاءة التي تم توظيفها جيداً وجو المرح والترفيه الذي ساد الحفل الا ان قيمة الحفل الفنية تكمن في الأداء الرائع والاحترافي للمايسترو الصعيدي الذي اشتهر بحفظه للأعمال وتقديمها بدون مدونة موسيقية أمامه وقد كان موفقا في هذا الحفل ليس فقط في اختياره هذا البرنامج وترتيب فقراته وانما في الدقة المتناهية في التفسير وفهم روح العمل والسيطرة علي العازفين واحداث التوازن بينهم وبين المغنية والعازفة المنفردة كما كان هناك دقة في بيان ميزات كل عمل ايضا عازفو الفريق جميعاً كانوا علي درجة جيدة من المهارة واليقظة تجعلنا نشعر بالفخر بهم وحقا لقد كانت سهرة متميزة تحسب للدكتورة إيناس عبدالدايم التي حرصت منذ توليها منصب رئيسة الأوبرا ان تعيد الصعيدي ليقدم هذا الحفل بعد طول غياب ربما لانها بنت الأوركسترا السيمفوني وحريصة علي جمهوره الذي وقفت تستقبله كعادتها الطيبة وبروح الفنانة المرهفة.