إحتفال الأوبرا بليلة رأس السنة من خلال أوركسترا القاهرة السيمفوني والذي أقامته الاثنين الماضي علي المسرح الكبير وأعيد علي مسرح سيد درويش بالاسكندرية في اول أيام العام الجديد يعد من أهم الأحداث الفنية في الموسم الحالي لأنه يمثل عودة للتقاليد الراسخة لهذا الصرح كما أنه عودة حميدة للمايسترو أحمد الصعيدي مؤسس هذا الحفل وصاحب فكرته بعد ان غاب عنه حوالي عشر سنوات .. وحفل رأس السنة من التقاليد العالمية التي نقلها إلينا المايسترو الصعيدي في أوائل التسعينيات حينما كان يتولي مسئولية السيمفوني واصبحت تقليدا سنويا للفريق يقدمه بنفس البرامج الاوروبية وهذه الحفلات في اوروبا وامريكا تقدم علي مدي الاسبوع الاول من يناير في المدن المختلفة ومن أشهرها الحفل الذي يقيمه أوركسترا فيينا الفلهارموني صباح أول يناير من كل عام وينقل علي الهواء مباشرة في تليفزيون أكثر من 50 دولة ويقوده في كل مرة قائد من المشهود لهم بالكفاءة علي المستوي العالمي ونظرا للإقبال علي هذا الحفل يتم الحجز له عقب الانتهاء منه وعن طريق القرعة أي قبل عام كامل وبرنامج هذه الحفلات تمثل تقليدا راسخا ويقدم فيها مؤلفات عائلة شتراوس التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهي موسيقي راقصة في صيغة الفالس والبولكا والمارشات كما يتم أيضا في هذه الحفلات اداء أغان مرحة من الاوبريتان التي ظهرت في هذه الحقبة المهم أن يكون الحفل معبرا عن الفرح بقدوم العام الجديد.. والحفل كما شاهدته وشاهده معي حوالي 1200 متفرج يمثل نجاحا فنيا وصورة حضارية للفريق وقائده تبعث بالفخر وتجعل المقارنة العالمية في صالحنا حيث نجح الصعيدي ان يقدم السيمفوني المصري بكامل عدده بل ضم إليه نجوم العزف الفردي الذي لم يسبق لنا رؤيتهم يعزفون وسط المجموعة منذ زمن طويل منهم عازف الكلارينت د. محمد حمدي كما شارك كورال الأكابيلا الذي هو أيضا صاحب فكرته ومؤسسه وجاءت مشاركته بأسلوب موضوعي ولضرورة فنية وليست دعائية. من الأعمدة التي أرتكز عليها نجاح الحفل الاختيار الموفق للبرنامج ناهيك عن الأداء الاحترافي للمايسترو الذي لم يضع مدونة أمامه وقدم برنامجة بالكامل معتمدا علي الذاكرة بإتقان شديد كما أنه أخرج من الفريق احسن إمكانياته واستفاد من عازفيه الأوائل في اختيار مقطوعات بها عزف منفرد أو تتضمن أدواراً بارزة للمجموعات الآلية المختلفة كما سوف يتضح في السطور التالية.. برنامج الحفل تتضمن 21 فقرة منهما 5 فقرات غنائية شدت بهم السبرانو "نيكوليتا رادو" وهي رومانية تقيم في أسبانيا سبق لها زيارة مصر ولها نشاط بارز في أوروبا بالغناء في العديد من المهرجانات وقد استمعنا منها إلي فالس "عصافير الريف النمساوي" ليوزيف شتراوس مقطوعة جديدة علينا وفيها يقدم المؤلف الذي هو احد ابناء شتراوس الأب صورة من ريف النمسا ويستخدم فيها أصواتاً ممتدة تحاكي أصوات قرار القرب والتي عزفتها لنا ببراعة مجموعة الوتريات وكما بها صوت النداء المميز الذي سمعناه من كلارينت محمد حمدي .. ومن المقطوعات التي شاركت فيها السبرانو ايضا شرداش من اوبريت الوطواط ليوهان شتراوس الابن كما ادت اغنية حب سماوي علي الأرض من اوبريت باجنيني لفرانز ليهار " 1848 1870" التي قدمت من مؤلفاته أيضا اغنية "شفتاي" من أوبريت "جويديتا " واختتمت أغانيها بأغنية " في الجبال حيث موطني " من أوبريت الأميرة الغجرية للموسيقار المجري إمريش كالمان " 1882 1935" وتعد أيضا من الفقرات التي لم يسبق تقديمها .. السبرانو نيكوليتا كانت موفقة في الأداء الذي يعتمد علي الأسلوب التعبيري وعلي التمثيل والرقص ولقد استطاعت أن تتفهم طبيعة الحفل المرحة وأيضا الأداء المتنوع وتلوين الصوت الذي يتطلبه هذا البرنامج فقرات الحفل الموسيقية تضمنت أيضا فقرات جديدة علينا ومبتكرة وبعضها يعبر عن معان وقيم انسانية واجتماعية سامية تجسد روح التعاون واهمية العمل مثل مقطوعة البولكا الفرنسية ل يوزيف شتراوس التي كتبها تخليداً واحتراماً لمهنة الحداد التي كانت مصدراً لالهامه وكان ذلك في النصف الثاني من القرن ال 19 وارتدي قائد الاوركسترازي الحداد لايجاد حالة من الواقعية في الاداء وأمسك الصعيدي بشاكوشين يخبط بهما علي لوحة أمامه من الحديد بطرقات إيقاعية تدخل ضمن النسيج الموسيقي المقطوعة وقد نالت هذه الفقرة إعجاب الجماهير .. تضمن البرنامج أيضا افتتاحية الفروسية الخفيفة ل فرانز فون سوبيه " 1819 - 1885" التي كتبها متأثراً باحداث الحرب العالمية الاولي وتأكيداً علي اهمية ومحورية الجيش من المقطوعات التي تعد إضافة لهذا النوع من الحفلات مارش من اوبري "البارون الغجري" ليوهان شتراوس الإبن والذي تم تقديمه بمصاحبة كورال الأكابيلا الذي يعد أيضا مفخرة للمصريين ولنفس المؤلف تم تقديم مقدمة واليجرو من اوبريت باجنيني والذي به عزف منفرد علي الكمان عزفه ياسر الصيرفي بمهارته المعتادة كما قدم الاوركسترا صورة موسيقية مميزة للمؤلف الدينماركي العالمي هانز كريستيان لمباي " 1810 - 1840" بعنوان جالوب سكك حديد كوبنهاجن التي عبرت عن عمال القطارات والسكك الحديدية وتمثل هذه المقطوعة روح الاحتفال في الدانمارك خلال المناسبات الهامة خاصة المرتبطة بالعمل ليظهر عازفو الاوركسترا السيمفوني وهم يرتدون ملابس عمال القطارات .. الحفل تضمن ايضا مجموعة من الأعمال الشهيرة التي يطالب بها الجمهور دائما والتي أدخرها الصعيدي لآخر الحفل مثل فالس الدانوب الأزرق و "مارش رايتزكي" لشتراوس الأب " 1804 - 1849 " والذي يعد من التقاليد العالمية الراسخة لهذا الحفل السنوي فكان خير ختام حيث يصفق كل الجمهور علي نغمات وإيقاعات الموسيقي ويستدير المايسترو ليقوده وفي الجزء الاخير يعزف العازفون وهم واقفون ويقف معهم الجمهور يصفق في جو بديع ومرح ليكون خير ختام لعام مليء بالاحداث وعلي أمل ان يكون هناك غد مشرق في العام الجديد 2013.. لايفوتنا ان نذكر امرين هامين اولهما دور المخرج عبدالله سعد الذي جاء واضحا في معظم التفاصيل الشكلية من حركة العازفين علي المسرح وارتدائهم بعض الملابس الحمراء التي تعبر عن المناسبة وايضا استثمار الإضاءة والديكور حركة المغادرة السلسة لمجاميع الكورال والجو المرح الذي أعطاه لهذا الحفل اما الأمر الثاني أن هذا النجاح الفني الجماهيري يحسب لرئيسة الأوبرا الفنانة د. إيناس عبد الدايم التي أصرت أن تعيد القاليد الراسخة لهذه المناسبة وان تعيد الاعتبار للكفاءات أمثال المايستترو أحمد الصعيدي أحد المساهمين عن جدارة في النهضة الموسيقية المصرية..