في شهر يناير عام 1856 أصدر سعيد باشا والي مصر عقد الامتياز الثاني للمسيو ديليسبس والذي تضمن شروط الامتياز.. وكانت مجحفة بكل المقاييس.. ولم يكن الأمر يتوقف عند شق قناة ملاحية تصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض.. ولكن كانت هناك عدة بنود عجيبة.. وكلها عن مشروعات تقام لصالح شركة القناة ولكن علي حساب ونفقة الحكومة المصرية ومن بينها التنازل عن جميع الأراضي المملوكة للحكومة علي جانبي موقع الحفر وبعرض كيلو متر من كل جانب مع التعهد بإضافة أراض أخري لمشروعات مستقبلية.. هذا بخلاف حفر ترعة مياه عذبة علي نفقة الحكومة المصرية ولكن استغلالها في ري الأراضي الزراعية الخاصة بالمصريين يكون لصالح الشركة!! وعندما تولي الخديو إسماعيل الحكم بعد وفاة عمه سعيد باشا فزع من هذه الشروط. يقول عبدالرحمن الرافعي في كتابه "عصر إسماعيل - الجزء الأول" إن الخديو إسماعيل قال يوماً "إني أؤيد أن تكون القناة لمصر لا أن تكون مصر للقناة" وقيل إنه فكر يوماً أن يتولي تنفيذ المشروع بنفسه وطبعاً لو أنه نفذ هذه الفكرة لجعل القناة - حقيقة - ملكاً لمصر..! وكان من المقرر أن تقام عدة مشروعات علي جانبي القناة ولهذا تم تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي.. إلا أنه لم ينفذ إلا عدد محدود من محطات الخدمة علي جانبي القناة. ولهذا فإن المؤرخين الأجانب ذهبوا إلي أن القناة كانت نقمة علي مصر وليست نعمة.. فقد لحقتها خسائر فادحة سواء في عملية الإنشاء أو التعويضات التي دفعتها الحكومة المصرية ومن بينها مثلاً - كما جاء في تاريخ مصر المائي - أن شركة قناة السويس أعادت للحكومة الأراضي التي سبق وأن خصصتها مجاناً للشركة والتي اتضح عدم جدواها بالنسبة للمشروعات وذلك مقابل تعويض دفعته الحكومة وقدره 30 مليون فرنك. ومرت سنوات تعطلت فيها القناة مرتين الأولي أثناء الاعتداء الثلاثي علي مصر عام 1956 والثانية أثناء حرب ..1967 ويقول الرئيس الراحل أنور السادات في كتاب "البحث عن الذات" إنه عندما وقف علي الضفة الغربية من القناة من مدينة الإسماعيلية وسرح ببصره نحو سيناء وذلك يوم إعادة تشغيل القناة في 5 يونيو ..1975 راح يحلم بأن تدخل مشروعات كثيفة علي ضفاف القناة.. وقد بدأها بالفعل بحفر نفق تحت مياه القناة.. وشق ترعة من نهر النيل إلي سيناء. وعندما تولي الإخوان حكم مصر.. كادت تتكرر مأساة امتياز القناة التي صدرت لديليسبس عام 1856 لولا يقظة الشعب المصري حيث تم إيقاف كل ما كان متوقعاً تنفيذه لحساب دول بعينها. واليوم يتأكد ما قاله الخديو إسماعيل منذ نحو 150 عاماً أن "القناة لمصر.. وليست مصر للقناة"!! وفي هذا الإطار تدخل القناة مرحلة جديدة حيث تم الإعلان عن تفاصيل مشروع تنمية إقليم القناة من خلال طرح كراسة شروط عن محور القناة.. وذلك تحت مظلة هيئة القناة وإشراف القوات المسلحة بحيث تكون متاحة للمستثمرين ومشاركة بيوت الخبرة العالمية.