في الوقت الذي يلتزم القضاء بحياديته واستقلاله. فإنه يسعي الي تحقيق العدالة دون تغليب أي طرف من هذه الأطراف علي الآخر. معتمدا في ذلك علي ما يتوفر أمامه من أدلة وأسانيد في القضية. ولا يمكن للقاضي بأي حال أن يعتمد أو يستند لما تعرضه وسائل الإعلام من طرح بشأن قضية ما أو حتي يعتقدها صحيحة. كما لايمكن أيضا اعتماد وجهات النظر والآراء التي يقوم الإعلام بالتركيز عليها لأنها تعتبر خارج إطار الدعوي المنظورة. إذ أنه من القواعد القانونية المستقرة وتأكيدا لمظاهر الحيدة. يجب أن يقتصر القاضي في استدلاله فقط علي الأدلة المطروح أمامه والمقدمة من الخصوم. وفقا للطريق الذي رسمه القانون لتقدها. ومن ثم فلا يستطيع القاضي الاستناد لعلمه الشخصي بواقعة معينة متعلقة بموضوع النزاع. ولا يستطيع أيضا أن يبني حكمه علي دليل تحراه بنفسه خارج منصة القضاء وجلسة المحاكمة.. ومن ثم فلا مجال للإعلام في تبرير أو خلق صورة متناقضة أو متعارضة مع النص العقابي والدفع باتجاه تشكيل رأي أو حشد باتجاه معين مخالف لهذه المصادر وبالتالي الاساءة إلي القضاء. كما أنه يؤثر بالسلب نفسيا وعمليا علي حسن أداء القضاء لمهمته النبيلة. وبالتالي يساهم الإعلام وفقا لهذا عن قصد أو حتي دون قصد في الاضرار بقضية العدالة ككل. ومن ثم فقد نص قانون العقوبات في مادته 187 علي جزاء الجهة التي تنشر أموراً من شأنها التأثير في القضاة الذين أنيط بهم الفصل في دعوي مطروحة أمام جهة من جهات القضاء. كما نص أيضا علي جزاء كل من نشر بإحدي طرق العلانية أخبارا بشأن محاكمة قرر القانون سريتها أو منعت المحكمة نشرها أو تحقيقا قائما في جناية أو جنحة أو وثيقة من وثائق التحقيق أو أخبارا بشأن التحقيقات. وما يجري في الجلسات العلنية للمحاكم بسوء قصد ونية وبغير أمانة مهنية بمخالفة قرار المحكمة بسرية ما يجري من تحقيقات في القضية المنظورة أمامها. فبات من الضروري معرفة الإعلام بواجبه في هذا الشأن وتجنب الخوض في تفاصيل القضايا المطروحة أمام القضاء وتقع علي عاتق الإعلام الالتزام بالمهنية تجنبا للتأثير علي ضمانات واجراءات المحاكمة العادلة. ومن هنا يتعين حجب المعلومات عن الإعلام تجنبا لتلك النتائج التي تؤثر ليس علي مسار القضية المطروحة فحسب. وإنما علي القاضي بشكل غير مباشر وتمثل نوعا من الإكراه المعنوي عليه. بل وعلي العدالة بشكل مباشر. ووفق ذلك ينبغي أن تكون المعلومات المتوفرة أمام القضاء بعيدة مؤقتا عن الإعلام. وهذا الحجب من واقع الاستقلالية التي يتمتع بها القضاء. وهو أمر واجب التقدير والاحترام والالتزام به من الكافة. لأن التحليلات والاستنتاجات التي تنشرها وسائل الإعلام في تناول قضية معينة لم تزل معروضة ومنظورة أمام القضاء ستؤثر سلبا في تكوين قناعة ووجدان القاضي. وتتعارض أيضا مع الاعتبارات والضمانات التي وفرها القانون للمتهم في ضمانات المحكمة المنصفة العادلة ويسبقها سرية التحقيق. وهذه السرية توفر الحماية للمتهم من كل تشهير يقع عليه. فالمتهم بريء حتي تثبت إدانته وأن نشر أي معلومات متعلقة بتحقيقات النيابة العامة قد تضر بمصلحة طرف من الأطراف. ولهذا جعل القانون جلسات التحقيق سرية بينما جعل جلسات المحاكمة علنية. بعد أن توافرت الأدلة. وقد تعقد المحكمة جلساتها بشكل سري خلافا لمبدأ العلنية في بعض الأحوال المنصوص عليها قانونا ومن مقاصد العلنية هنا أن يثق الجمهور بحسن سير وأداء القضاء في تحقيق العدالة والتطبيق السليم للقانون بما يحقق الردع العام. وعليه فالقضاء ملزم بالتمسك بالاستقلالية والحياد كمبدأ ثابت من الثوابت القضائية. يمارس مهامه بتجرد وحياد. ملزم بحسم القضية المعروضة أمامه فقط بأدلتها. دون أن يرزح تحت نير قيود وضغوط الإعلام. وأخيرا فإن ترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلاليتها لايكون بانغلاق القضاء كليا علي الإعلام. إذا ما نظرنا الي الجانب الايجابي لدور الإعلام المتوازن. الذي لاينتهك المحظورات. فقد بات من الضروري وجود تنسيق اعلامي بين عمل السلطة القضائية والمؤسسة الاعلامية. مثلما نجد أن رقابة الإعلام تعزز قوة ومنعة القضاء باعتبار أن الإعلام بوابة المعرفة في نشر الثقافة الإنسانية.