تباينت ردود الأفعال بعد انتهاء لجنة الخمسين من اعداد الدستور فقد كشف البعض عن سلبيات فيه منها أن مكانة الشريعة قد انتقصت فيه وعللوا ذلك بأن المحكمة الدستورية أصبحت هي المرجعية في تفسير معني ودلالة مبادئ الشريعة وليس الأزهر.. وأن الدولة ملتزمة بالمواثيق والعهود الدولية دون التقيد بالشريعة كما كان في 2012 بالإضافة إلي إقرار المساواة بين الرجل والمرأة. استطلعنا آراء بعض العلماء الذين شاركوا في لجنة الخمسين وغيرهم لتوضيح هذه النقاط ومدي توائمها أو مخالفتها للشريعة الإسلامية. يقول المفكر الإسلامي الدكتور ناجح ابراهيم إن الشريعة أكبر من أن تكون مادة في الدستور لأن مشكلتها ليست مقتصرة علي نص ولكن في غياب القدوة للحاكم والمحكوم فلا الحاكم يريد أن يعمل بها ولا المحكوم يريد أن يمتثل لها إذا كانت ضد مواقف كل منهما ومن هنا يتخذها الجميع وسيلة لتحقيق أغراضه وأهوائه فإذا كانت في صفه قبل بها وإن كانت ضده أنكرها.. ولذلك يجب أن يعلم الجميع أن الإسلام أكبر من الدساتير والقوانين وأجل منها ولا تصنعه لا هذا ولا تلك لأنه يختلف عن النظم الوضعية فلو وضعت الشريعة في كل مادة بالدستور والقوانين ولم تتشربها النفوس والضمائر وتؤمن وتعمل بها فلا قيمة لكل هذه المواد.. فالإسلام كان قبل الدساتير وسيكون بعدها. كما أن مادة اعتبار الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع موجودة في كل الدساتير السابقة ولكنها لم تفعل حقيقيا وبالتالي لا قيمة لهذه النصوص.. وعلي العموم الشريعة لم يتم تقييدها في الدستور الجديد وأغلب مواده جيدة ولكن المشكلة أنه لا يطبق شيء منه إلا القليل النادر فمثلا في عهد مبارك كان الدستور يحرم ويجرم التعذيب ومع ذلك استمر التعذيب في عهده دون انقطاع.. فالمشكلة الأكبر أن هذه الدساتير اصبحت مادة للصراع السياسي فإذا كتب الإسلاميون الدستور رفضه خصومهم دون قراءته أو حتي الاطلاع عليه ولو كتبته القوي المدنية يرفضه الإسلاميون وحلفاؤهم أيضا قبل أن يقرأوه ويدققوا في إيجابياته وسلبياته في الوقت الذي يوافق فيه كل فريق علي دستوره موافقة عمياء. والخلاصة أن الشريعة لم يتم تقييدها كما يدعي البعض سواء في مرجعية المحكمة الدستورية أو في المواثيق الدولية أو في المساواة بين الرجل والمرأة. مرجعية المحكمة الدستورية فبالنسبة لاتخاذ المحكمة الدستورية كمرجعية بديلا عن الأزهر في تفسير مبادئ الشريعة يقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأرهر إنه كان الأولي حذف كلمة مبادئ في الدستور منعا للغط واللبس لأن في التشريع الإسلامي توجد أدلة وحكم شرعي بنوعيه التكليفي الوضعي والمقاصد.. وكلمة مبادئ مبهمة فهل يراد بها الأدلة وأي أنواعها أم الأحكام وأي أوصافها فقد كنا في غني عما يثير الجدل لذلك يري أن الصياغة في دستور 71 كانت جامعة مانعة حيث نصت علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع فلماذا لم يؤخذ بها وهي لم تكن أبدا محل خلاف بين المسلمين والمسيحيين وأضاف أنه لابد أن يفهم ان هناك فرقا بين تفسير المبادئ وتحديد المرجعية في التفسير وما بين الفتاوي أو استطلاع الرأي الذي تطلبه المحكمة الدستورية.. فتفسير الشريعة إنما لأهل الذكر قال تعالي "ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم".. إذن هذا نص قطعي الورود والدلالة في أن تفسير الشريعة للفقهاء الشرعيين وليس لغيرهم. الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية الأسبق وعضو لجنة الخمسين يري أن ما ورد في الدستور لا يتعارض مع حكم قطعي في الشريعة الإسلامية فمادة المحكمة الدستورية لا تنتقص من الشريعة لأن المحكمة ذاتها تلتزم بمبادئ الشريعة في الأحكام قطعية الثبوت والدلالة التي تمثل من الشريعة أحكاما مجمعا عليها ولا محل للاجتهاد فيها يضاف لذلك أن المحكمة الدستورية عندما تعرض عليها قضية تتناول مسألة شرعية فإنها تلجأ لرأي مجمع البحوث الإسلامية وتحكم وفق ما يراه المجتمع كما حدث في مرات سابقة في ظل دستور 1971 الذي ينص علي أن الإسلام دين الدولة. د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضو احتياطي بلجنة المقومات الأساسية للدستور تقول إن الأزهر نفسه لا يريد أن يكون مرجعية خشية ألا يفهم أننا أصبحنا دولة دينية "ثيوقراطية" كما كانت في العصور الوسطي رغم أن دوره سوف يكون أساسيا كاستشاري في الأحكام الدستورية المتعلقة بالشريعة الإسلامية. المواثيق الدولية والشريعة وحول مادة أن الدولة ملتزمة بالمواثيق والعهود الدولية دون التقيد بقيد الشريعة كما كان في دستور 2012 يقول د. كريمة إن الدولة تتعامل مع أنظمة عالمية مدنية وليست مع أنظمة دينية فلا يوجد أي نص في أي دستور عالمي يلزم بالتقيد مثلا بالشريعة اليهودية لدي اليهود ولا المسيحية لدي المسيحيين فتلك سياسة عالمية لا شأن لها بالأديان وإقحام الشريعة في أمور العادات والأعراف والمواثيق الدولية مزايدة لا داعي لها.. ويؤكد د. الجندي أنه من حق أي دولة رفض ما يتعارض مع شريعتها وديانتها وعاداتها والدليل أن مصر رفضت من قبل التوقيع علي اتفاقية السيداو التي تميز المرأة لأنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية.. فالمواثيق الدولية ليست ملزمة كي توقع عليها الدول في حال تعارضها مع شريعتها. د. آمنة نصير تتفق مع د. الجندي في أن الدولة من حقها رفض التوقيع علي آية اتفاقية لا تتفق مع شريعتها. المساواة بين الرجل والمرأة أما عن المساواة بين الرجل والمرأة فيؤكد د. كريمة أنه لابد أن يفرق ما بين المساواة والتماثل فالمساواة هي أصل في الشريعة الإسلامية قال تعالي "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" وقال جل شأنه "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" والتماثل بداهة يستحيل بين الذكر والأنثي في سنن الفطرة الإلهية وما يثار من الولاية.. وعلي كل فالدستور الجديد أفضل من غيره والمزايدة عليه هي التي ستؤدي إلي ألغام الجدال. يري د. الجندي أن الشريعة تقر مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات كأصل عام لكن فيما يتعلق بالميراث والأحوال الشخصية فهذه المسائل تشكل خصوصية في النظام الإسلامي يلتزم بها الجميع وفق قوانين الأحوال الشخصية بعيدا عن ثوابت الشريعة الإسلامية. تساءلت د. آمنة أما الاخلال بالشريعة الإسلامية في أن تكون المرأة مساوية للرجل في صنع الحياة؟ فالقرآن الكريم نص علي ذلك حيث قال الله تعالي "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثي".